لأمه ، فأجاره رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم إنه أسلم وحسن إسلامه فأنزل الله هذه الآية ؛ قاله الحسن وعكرمة (١).
وهذه الرّواية إنا تصحّ إذا جعلنا هذه السورة مدنية أو جعلنا هذه الآية منها مدنيّة ، ويحتمل أن يكون المراد : أنّ أولئك الضعفاء المعذّبين تكلموا بكلمة الكفر على سبيل التقيّة ، فقوله : (مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) يحتمل كلّ واحد من هذه الوجوه ، وليس في اللفظ ما يدل على التّعيين.
وإذا كان كذلك ، فهذه الآية إن كانت نازلة فيمن أظهر الكفر ، فالمراد أن ذلك مما لا إثم فيه ، وأن حاله إذا هاجر وجاهد وصبر كحال من لم يكره ، وإن كانت نازلة فيمن ارتدّ ، فالمراد أن التوبة والقيام بما يجب عليه يزيل ذلك العقاب ، ويحصل له الغفران والرحمة.
قوله : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ) يجوز أن ينتصب «يوم» ب «رحيم» ولا يلزم من ذلك [تقييد](٢) رحمته بالظرف ؛ لأنه إذا رحم في هذا اليوم ، فرحمته في غيره أحرى وأولى.
وأن ينتصب ب «اذكر» مقدّرة ، وراعى معنى «كل» فأنث الضمائر في قوله «تجادل ... إلى آخره» ؛ ومثله قوله : [الكامل]
٣٣٦٣ ـ جادت عليه كلّ عين ثرّة |
|
فتركن كلّ قرارة كالدّرهم (٣) |
إلا أنه زاد في البيت الجمع على المعنى ، وقد تقدّم أول الكتاب.
وقوله : (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) حملا على المعنى ؛ فلذلك جمع.
فإن قيل : النّفس لا تكون لها نفس أخرى ، فما معنى قوله : (تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها)؟.
فالجواب : أن النّفس قد يراد بها بدن [الإنسان](٤) الحيّ ، وقد يراد بها ذات الشيء وحقيقته ، فالنفس الأولى هي الجثّة والبدن ، والثانية : عينها وذاتها ؛ فكأنه قيل : يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته ، ولا يهمه شأن غيره ، قال ـ تعالى ـ : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس : ٣٧].
روي أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال لكعب الأحبار : خوّفنا ، قال يا أمير المؤمنين : والذي نفسي بيده لو وافيت يوم القيامة بمثل عمل سبعين نبيّا ، لأتت عليك تارات وأنت لا يهمّك إلا نفسك ، وإن لجهنّم زفرة ما يبقى ملك مقرّب ، ولا نبي مرسل إلا وقع جاثيا على ركبتيه ، حتّى إن إبراهيم خليل الرحمن ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ليدلي بالخلّة فيقول : يا ربّ ، أنا خليلك إبراهيم لا أسألك إلا نفسي ، وأن تصديق
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٦٥٤) عن عكرمة والحسن وذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ١٠١).
(٢) في ب : نصب.
(٣) تقدم.
(٤) زيادة من : أ.