وروى مالك بن صعصعة أنّ نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم حدثهم عن ليلة الإسراء به قال : «بينا أنا في الحطيم ـ وربّما قال : في الحجر ـ بين النّائم واليقظان ، فأتيت بطست من ذهب مملوءة حكمة وإيمانا ، فشقّ من النّحر إلى مراق البطن واستخرج قلبي ، فغسل ، ثمّ حشي ، ثمّ أعيد».
وفي رواية سعيد وهشام : «ثمّ غسل البطن بماء زمزم ، ثمّ ملىء إيمانا وحكمة ، ثمّ أتيت بالبراق ، وهو دابّة أبيض طويل فوق الحمار ، ودون البغل ، تقع حافره عند منتهى طرفه ، فركبته فانطلقت مع جبريل عليهالسلام ، حتّى أتيت البيت المقدس قال : فربطته في الحلقة الّتي تربط بها الأنبياء» قال : «ثمّ دخلت المسجد ، فصلّيت فيه ركعتين ، ثمّ خرجت ، فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن ، فأخذت اللّبن ، فقال جبريل : أخذت الفطرة ، فانطلق بي جبريل ؛ حتّى أتى السّماء الدّنيا ..» الحديث (١).
واحتجّ المنكرون بوجوه عقليّة ونقليّة :
أما العقلية : فأوّلها : أن الحركة البالغة في السّرعة إلى هذا الحدّ غير معقولة.
وثانيها : أنّ صعود الجرم الثقيل إلى السّموات غير معقول.
وثالثها : أنّ صعوده إلى السماوات يوجب انخراق الأفلاك ، وذلك محال ، ولأنّ هذا المعنى ، لو صحّ ، لكان أعظم من سائر معجزاته ، فكان يجب أن يظهر ذلك عند اجتماع النّاس حتّى يستدلّوا به على صدقه في ادعاء النبوّة ، فأما أن يحصل ذلك في وقت لا يراه أحد ، ولا يشاهده يكون عبثا ؛ وذلك لا يليق بالحكيم.
وأمّا النقل : فقوله تعالى : (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) [الإسراء : ١] وقوله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) [الإسراء : ٦] وما تلك الرؤيا إلّا حديث المعراج ، والرؤيا لما في المنام ، وإنما كانت فتنة للنّاس ؛ لأنّ كثيرا ممّن آمن به ، لمّا سمع هذا الكلام كذّبه وكفر ، وكان حديث المعراج سبب فتنة الناس.
وأيضا : فحديث المعراج اشتمل على أشياء بعيدة.
منها : ما روي من شقّ بطنه وتطهيره بماء زمزم ، وهو بعيد ؛ لأن الذي يمكن غسله بالماء هو النّجاسات العينيّة ، ولا تأثير لذلك في تطهير القلب عن العقائد الباطلة ، والأخلاق الذّميمة.
__________________
ـ ومسلم (١ / ١٤٨ ـ ١٤٩) کتاب الإيمان : باب الإسراء برسول الله صلىاللهعليهوسلم حديث (٢٦٣ / ١٦٣) من حديث أنس.
(١) أخرجه البخاري (٧ / ٢٤١ ـ ٢٤٢) كتاب مناقب الأنصار : باب المعراج حديث (٣٨٨٧) ومسلم (١ / ١٤٩ ـ ١٥٠) كتاب الإيمان : باب الإسراء برسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢٦٤ / ١٦٣).