النعم العظيمة ، قد يعدل عن التمسّك بشرائعه ، والرّجوع إلى بيانه ، ويقدم على ما لا فائدة فيه ، فقال : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ).
واختلفوا في المراد من دعاء الإنسان بالشرّ ، فقيل : المراد منه النضر بن الحارث ، حيث قال : اللهم ، إن كان هذا هو الحقّ من عندك. فأجاب الله دعاءه ، وضربت رقبته ، وكان بعضهم يقول : ائتنا بعذاب الله ، وآخرون يقولون : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ، وإنّما فعلوا ذلك ؛ للجهل ، ولاعتقاد أن محمّدا ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ كاذب فيما يقول.
وقيل : المراد أنّ الإنسان في وقت الضجر يلعن نفسه ، وأهله وولده ، وماله ؛ كدعائه ربّه أن يهب له النعمة والعافية ، ولو استجاب الله دعاءه على نفسه في الشرّ ، كما يستجيب (١) له في الخير ، لهلك ، ولكنّ الله لايستجيب ؛ لفضله.
روي أن النبي المصطفى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ دفع إلى سودة بنت زمعة أسيرا ، فأقبل يئنّ باللّيل ، فقالت له : ما لك تئنّ؟ فشكى ألم القدّ ، فأرخت له من كتافه ، فلمّا نامت أخرج يده ، وهرب (٢) فلمّا أصبح النبي صلىاللهعليهوسلم دعا به ، فأعلم بشأنه ، فقال صلوات الله وسلامه عليه : اللهمّ اقطع يدها ، فرفعت سودة ـ رضي الله عنها ـ يدها تتوقّع أن يقطع الله يدها ، فقال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : إنّي سألت الله أن يجعل دعائي على من لا يستحقّ عذابا من أهلي رحمة ؛ لأنّي بشر أغضب كما تغضبون (٣).
وقيل : يحتمل أن يكون المراد أنّ الإنسان قد يبالغ في الدّعاء طلبا للشّيء ، يعتقد أنّ خيره فيه ، مع أنّ ذلك الشيء منبع لشرّه وضرره ، وهو يبالغ في طلبه ؛ لجهله بحال ذلك الشّيء ، وإنما يقدم على مثل هذا العمل ؛ لكونه عجولا مغترّا بظواهر الأمور غير متفحّص عن حقائقها ، وأسرارها.
ثم قال تعالى : (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً).
قيل : المراد بهذا الإنسان آدم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لأنه لمّا انتهت الرّوح إلى سرّته ، نظر إلى جسده ، فأعجبه ما رأى ، فذهب لينهض ، فلم يقدر ، فهو قوله جلّ ذكره : (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً).
وقيل : المراد الجنس ؛ لأنّ أحدا من النّاس لا يعرى عن عجلة ، ولو تركها ، لكان تركها أصلح له في الدّين والدّنيا ، ومعنى القولين واحد ؛ لأنّا إذا حملنا الإنسان على آدم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فهو أبو البشر وأصلهم ، فإذا وصف بالعجلة ، كانت الصفة لازمة لأولاده.
وقال ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ : «عجولا» ضجورا لا صبر له على سرّاء ولا ضرّاء(٤).
__________________
(١) في أ: يستجاب.
(٢) سقط من : أ.
(٣) ذكره الزمخشري في الكشاف ٢ / ٦٥١.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٤٥) وذكر البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٠٧).