تَعْلَمُونَ) فكذلك ههنا ، لمّا ذكر الأنواع المنتفع بها من النبات ، قال في وصف البقية : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) تنبيها على أن تفصيل أنواعها ، وأجناسها ، وصفاتها ، ومنافعها ، ما لم يكن ذكره ، فالأولى أن يقتصر فيه على الكلام المجمل ، ثم قال سبحانه وتعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
واعلم أن وجه الدّلالة من هذه الآية على وجود الله ـ تعالى ـ : هو أنّ الحبة الواحدة تقع في الطين ، فإذا مضى عليها زمن معين ، نفذت في تلك الحبة أجزاء من رطوبة الأرض ؛ فتنتفخ وتنشقّ أعلاها وأسفلها ؛ فيخرج من أعلاها شجرة صاعدة إلى الهواء ، ومن أسفلها شجرة أخرى غائصة في [قعر](١) الأرض ؛ وهي عروق الشجر ، ثمّ إنّ تلك الشجرة لا تزال تزداد ، وتنمو وتقوى ، ثم يخرج منها الأوراق ، والأزهار ، والأكمام ، والثمار ، ثمّ إنّ تلك الشجرة تشتمل على أجسام مختلفة الطبائع ؛ كالعنب فإنّ قشوره وعجمه باردان يابسان كثيفان ، ولحمه وماؤه حار رطب ، فنسبة هذه الطبائع السفلية إلى هذا الجسم متشابهة ، ونسبة التأثيرات الفلكية ، والتحريكات الكوكبيّة إلى الكلّ متشابهة ، فمع تشابه هذه الأشياء ، ترى هذه الأجسام مختلفة في الطبع ، والطّعم ، واللّون ، والرائحة ، والصفة ؛ فدلّ صريح العقل على أنّ ذلك ليس إلا بفعل فاعل قادر حكيم رحيم.
وختم هذه الآية بقوله (يَتَفَكَّرُونَ) لأنه تعالى ذكر أنّه أنزل من السماء ماء ، فأنبت به الزرع ، والزيتون ، والنخيل ، والأعناب ، فكأنّ قائلا قال : لا نسلّم أنه ـ تعالى ـ هو الذي أنبتها ، بل يجوز أن يكون حدوثها لتعاقب الفصول الأربعة ، وتأثيرات الشمس والقمر والكواكب ، فما لم يقم الدليل على فساد هذا الاحتمال لا يكون هذا الدليل وافيا بإفادة هذا المطلوب ، بل يكون مقام الفكر والتأمل باقيا ، فلهذا ختم الآية بقوله : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
قوله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) الآية وهذه الآية هي الجواب عن السؤال المتقدم تقريره من وجهين :
الأول : أن يقول : هب أن حدوث الحوادث في هذا العالم السفلي مستندة إلى الاتّصالات الفكليّة إلّا أنه لا بدّ لحركتها واتصالاتها من أسباب ، وأسباب تلك الحركات : إما ذواتها ، وإمّا أمور مغايرة لها ، والأول باطل من وجهين :
الأول : أنّ الأجسام متماثلة ، فلو كان الجسم علّة لصفة ، لكان كل جسم واجب الاتصاف بتلك الصفة ؛ وهو محال.
والثاني : أنّ ذات الجسم لو كانت علّة لحصول هذه الحركة ، لوجب دوام هذه الحركة بدوام تلك الذات ، ولو كان كذلك لوجب بقاء الجسم على حالة واحدة من غير تغيير أصلا ؛
__________________
(١) في أ: تخوم.