اللّباب في علوم الكتاب [ ج ١٢ ]

قائمة الکتاب

البحث

البحث في اللّباب في علوم الكتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

وأحقّ الخلق بالشفقة الأبوان ؛ لكثرة إنعامهما على الإنسان. فقوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) إشارة إلى التّعظيم لأمر الله تعالى ، وقوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) إشارة إلى الشّفقة على خلق الله.

وثالثها : أنّ الاشتغال بشكر المنعم واجب ، ثمّ المنعم الحقيقي هو الخالق سبحانه وتعالى جلّ ذكره لا إله إلا هو ، وقد يكون بعض المخلوقين منعما عليك ، وشكره أيضا واجب ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من لم يشكر النّاس ، لم يشكر الله» (١) ، وليس لأحد من الخلائق نعمة على الإنسان مثل ما للوالدين ، وتقريره من وجوه :

أحدها : أن الولد قطعة من الوالدين ؛ قال ـ عليه‌السلام ـ (٢) : «فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما يؤذيها» (٣).

وأيضا شفقة الوالدين على الولد عظيمة ، وجدهما في إيصال الخير إلى الولد أمرّ طبيعيّ ، واحترازهما عن إيصال الضرر إليه أمر طبيعيّ أيضا ؛ فوجب أن تكون نعم الوالدين على الولد كثيرة ، بل هي أكثر من كلّ نعمة تصل من إنسان إلى إنسان.

وأيضا : حال ما يكون الإنسان في غاية الضّعف ونهاية العجز يكون جميع أصناف نعم الأبوين في ذلك الوقت واصلة إلى الولد ، وإذا وقع الإنعام على هذا الوجه ، كان موقعه عظيما.

وأيضا : فإيصال الخير إلى الغير قد يكون لداعية إيصال الخير إليه ، وإيصال الخير إلى الولد ليس لهذا الغرض ، فكان الإنعام فيه أتمّ وأكمل ، فثبت بهذه الوجوه أنه ليس لأحد من المخلوقين نعمة على غيره مثل ما للوالدين على الولد ، فلهذا بدأ الله بشكر نعمة الخالق ؛ فقال تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) ثم أردفه بشكر نعمة الوالدين ، فقال تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً). فإن قيل : إنّ الوالدين إنّما طلبا تحصيل اللذّة لأنفسهما ؛ فلزم منه دخول الولد في الوجود ، ودخوله في عالم الآفات والمخافات ، فأيّ إنعام للأبوين على الولد.

يحكى أن بعض المنتسبين للحكمة كان يضرب أباه ، ويقول : هو الذي أدخلني في عالم الكون والفساد ، وعرّضني للموت ، والفقر ، والعمى ، والزّمانة.

__________________

(١) أخرجه أبو داود (٤٨١١) والترمذي (٤ / ٢٩٨) كتاب البر والصلة : باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك حديث (١٩٥٤) وأحمد (٢ / ٢٥٨) وابن حبان (٢٠٧٠ ـ موارد) من حديث أبي هريرة.

وقال الترمذي : هذا حديث صحيح.

وصححه ابن حبان.

(٢) سقط من : أ.

(٣) أخرجه البخاري (٧ / ١٣١ ـ ١٣٢) كتاب فضائل الصحابة : باب مناقب فاطمة حديث (٣٧٦٧) ومسلم (٤ / ١٩٠٢) كتاب فضائل الصحابة : باب فضائل فاطمة حديث (٩٣ / ٢٤٤٩). والبيهقي (٧ / ٦٤) والحاكم (٣ / ١٥٨) والبغوي في «شرح السنة» (٧ / ٢٣٢) من حديث المسور بن مخرمة.