الثالث : أنه مفعول من أجله.
والمرح : شدّة السرور والفرح ؛ مرح يمرح مرحا ، فهو مرح ؛ كفرح يفرح فرحا ، فهو فرح.
قوله : (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً) الآية.
قرأ أبو الجرّاح «لن تخرق» بضم الراء ، وأنكرها أبو حاتم وقال : لا نعرفها لغة ألبتّة.
والمراد من الخرق هاهنا نقب الأرض ، وذكروا فيه وجوها :
الأول : أنّ الشيء إنما يتمّ بالارتفاع والانخفاض ، فكأنه قال إنّك حال الانخفاض لا تقدر على خرق الأرض ونقبها ، وحال الارتفاع لا تقدر على أن تصل إلى رءوس الجبال ، والمعنى : أن الإنسان لا ينال بكبره وبطره شيئا ، كمن يريد خرق الأرض ، ومطاولة الجبال لا يحصل على شيء.
والمراد التنبيه على كونه ضعيفا عاجزا ، فلا يليق به التكبّر.
الثاني : أنّ تحتك الأرض التي لا تقدر على خرقها ، وفوقك الجبال التي لا تقدر على الوصول إليها ، فأنت محاط بك من فوقك ، ومن تحتك بنوعين من الجماد ، وأنت أضعف منهما بكثير ، والضعيف المحصور لا يليق به التكبّر ، فكأنه قيل له : تواضع ، ولا تتكبّر ؛ فإنّك خلق ضعيف من خلق الله ، محصور بين حجارة وتراب ، فلا تفعل فعل القويّ المقتدر.
الثالث : أنّ من يمشي مختالا يمشي مرّة على عقبيه ، ومرّة على صدور قدميه ، فقيل له : إنّك لن تنقب الأرض ، إن مشيت على عقبيك ، ولن تبلغ الجبال طولا ، إن مشيت على صدور قدميك.
قال عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا مشى تكفّأ تكفّؤا ؛ كأنّما ينحطّ من صبب (١).
وروى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : «ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلىاللهعليهوسلم كأنّ الشّمس تجري في وجهه ، وما رأيت أحدا أسرع مشية من رسول الله صلىاللهعليهوسلم كأنّما الأرض تطوى له ، إنّا لنجهد أنفسنا وهو غير مكترث» (٢).
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٥ / ٥٥٩) كتاب المناقب : باب ما جاء في صفة النبي صلىاللهعليهوسلم حديث (٣٦٣٧) وفي الشمائل رقم (٥ ، ٦) وأحمد (١ / ٩٦ ، ١٢٧) وأبو الشيخ ص (٩٤) والحاكم (٢ / ٦٠٦) وصححه ووافقه الذهبي والبيهقي في «الدلائل» (١ / ٢٦٨ ـ ٢٦٩) والبغوي في «شرح السنة» (٧ / ٦٢ ـ ٦٣) من حديث علي بن أبي طالب.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
(٢) أخرجه الترمذي رقم (٣٦٥٠) وفي «الشمائل» (ص ١١٢) وأحمد (٢ / ٣٥٠ ، ٣٨٠) وابن سعد (١ / ٤١٥) وأبو الشيخ (ص ٢٤٨) من حديث أبي هريرة. وقال الترمذي : هذا حديث غريب.