يفهم منه لحم السّمك ؛ بدليل أنّه إذا قال لغلامه : «اشتر بهذا الدّرهم لحما» فجاء بلحم سمك استحق الإنكار.
والجواب : أنا رأيناكم في كتاب الأيمان تارة تعتبرون اللفظ ، وتارة تعتبرون المعنى ، وتارة تعتبرون العرف ، وليس لكم ضابط ؛ بدليل أنّه إذا قال لغلامه : اشتر بهذا الدرهم لحما فجاء بلحم العصفور استحق الإنكار ، مع أنّكم تقولون : إنه يحنث بأكل لحم العصفور ؛ فثبت أنّ العرف مضطرب ، والرجوع إلى نصّ القرآن متعين.
النوع الثاني من منافع البحر : قوله : (وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) «الحلية : اسم لما يتحلّى به ، وأصلها الدّلالة على الهيئة ؛ كالعمّة والخمرة».
«تلبسونها» صفة ، و«منه» يجوز فيه ما جاز في «منه» قبل ، والمراد بالحلية : اللؤلؤ والمرجان.
فصل
المراد : يلبسهم لبس نسائهم ؛ لأنّهن من جملتهم ، ولأنّ تزينهنّ لأجلهم فكأنها زينتهم ، وتمسك بعض العلماء في عدم وجوب الزكاة في الحليّ المباح لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لا زكاة في الحليّ» (١).
ويمكن أن يجاب على تقدير صحّة الحديث : بأنّ لفظ «الحليّ» مفرد محلى بالألف واللام ؛ فيحمل على المعهود السابق ، وهو المذكور في هذه الآية ، فيصير تقدير الحديث : لا زكاة في اللآلىء ، وحينئذ يسقط الاستدلال بالحديث.
النوع الثالث من منافع البحر : قوله تعالى : (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) قال أهل اللغة : مخر السّفينة شقّها الماء بصدرها. وعن الفراء : أنه صوت جري الفلك بالرّياح.
إذا عرفت هذا ، فقول ابن عبّاس : «مواخر» أي : جواري ، إنما حسن التفسير به ؛ لأنها لا تشقّ الماء إلّا إذا كانت جارية. وقوله تعالى : (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) يعني : لتركبوه للتجارة ؛ فتطلبوا الريح من فضل الله ، وإذا وجدتم فضل الله تعالى وإحسانه ؛ فلعلكم تقدمون على شكره.
قال القرطبي : «امتنّ الله على الرّجال والنساء امتنانا عامّا بما يخرج من البحر ، فلا يحرم عليهم شيء منه ، وإنّما حرّم الله ـ تعالى ـ على الرجال الذهب والحرير.
قال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ في الحرير والذهب : «هذا حرام على ذكور أمّتي حلّ لإناثها» (٢).
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ٧) وضعفه.
(٢) أخرجه أحمد (١ / ٩٦) والنسائي (٨ / ١٦٠ ـ ١٦١) وابن ماجه (٣٥٩٥) والطحاوي في «شرح معاني ـ