أحدهما : أنه مذكور ، و«في» مزيدة فيه ، أي : ولقد صرفنا هذا القرآن ؛ كقوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ) [الفرقان : ٥٠] ، ومثله : [الطويل]
٣٤٢٤ ـ ........... |
|
يجرح في عراقيبها نصلي (١) |
وقوله تعالى : (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) [الأحقاف : ١٥] أي : يجرح عراقيبها ، وأصلح لي ذرّيتي ، وردّ هذا بأنّ «في» لا تزاد ، وما ذكر متأوّل ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في الأحقاف.
الثاني : أنه محذوف تقديره : ولقد صرّفنا أمثاله ، ومواعظه ، وقصصه ، وأخباره ، وأوامره.
وقال الزمخشريّ في تقدير ذلك : «ويجوز أن يراد ب «هذا القرآن» إبطال إضافتهم إلى الله البنات ؛ لأنّه ممّا صرفه ، وكرّر ذكره ، والمعنى : ولقد صرّفنا القول في هذا المعنى ، وأوقعنا التصريف فيه ، وجعلناه مكانا للتكرير ، ويجوز أن يريد ب «هذا القرآن» التنزيل ، ويريد : ولقد صرّفناه ، يعني هذا المعنى في مواضع من التنزيل ، فترك الضمير ؛ لأنّه معلوم» ، وهذا التقدير الذي قدّره الزمخشري أحسن ؛ لأنه مناسب لما دلّت عليه الآية وسيقت لأجله ، فقدّر المفعول خاصّا ، وهو : إمّا القول ، وإمّا المعنى ، وهو الضمير الذي قدّره في «صرّفناه» بخلاف تقدير غيره ، فإنه جعله عامّا.
وقيل : المعنى : لم ننزّله مرة واحدة ، بل نجوما ، والمعنى : أكثرنا صرف جبريل إليك ، فالمفعول جبريل ـ عليهالسلام ـ.
وقرأ (٢) الحسن بتخفيف الرّاء ، فقيل : هي بمعنى القراءة الأولى ، وفعل وفعّل قد يشتركان ، وقال ابن عطيّة : «أي : صرفنا النّاس فيه إلى الهدى».
والصّرف في اللغة : عبارة عن صرف الشيء من جهة إلى جهة ؛ نحو : تصريف الرياح ، وتصريف الأمور ، هذا هو الأصل في اللغة ، ثم جعل لفظ التّصريف كناية عن التّبيين ؛ لأنّ من حاول بيان شيء فإنه يصرف كلامه من نوع إلى نوع آخر ، ومن مثال إلى مثال آخر ؛ ليكمل الإيضاح ، ويقوي البيان ، فقوله تعالى : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) أي : بيّنّا.
قوله : «ليذّكّروا» متعلق ب «صرّفنا» وقرأ (٣) الأخوان هنا ، وفي الفرقان بسكون
__________________
(١) جزء من عجز بيت لذي الرمة وهو :
وأن تعتذر بالمحل من ذي جذوعها |
|
إلى الضيف ... |
ينظر : ديوانه ٥٧٥ ، شرح المفصل لابن يعيش ٢ / ٣٩ ، المغني ٢ / ٥٢١ ، روح المعاني ١٥ / ٨١ ، الدر المصون ٤ / ٣٩٣.
(٢) ينظر : المحتسب ٢ / ٢١ ، والإتحاف ٢ / ١٩٨ ، والقرطبي ١٠ / ١٧٢ والكشاف ٢ / ٦٦٩ ، والبحر ٦ / ٣٧ ، والدر المصون ٤ / ٣٩٣.
(٣) ينظر : السبعة ٣٨١ ، والحجة ٤٠٤ ، والنشر ٢ / ٣٠٧ ، والتيسير ١٤٠ ، والإتحاف ٢ / ١٩٨ ، والحجة للفارسي ٥ / ١٠٤ ، والقرطبي ١٠ / ١٧٢ ، والبحر ٦ / ٣٧ ، والدر المصون ٤ / ٣٩٣ والوسيط ٣ / ١٠٨.