يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) أي : لو فرضتم شيئا آخر أبعد من قبول الحجر والحديد للحياة ، بحيث يستبعد عقلكم قبوله للحياة ، ولا حاجة إلى تعيين ذلك الشيء ؛ لأنّ المراد أنّ أبدان النّاس ، وإن انتهت بعد موتها إلى أيّ صفة فرضت ، وإن كانت في غاية البعد عن قبول الحياة ، فإنّ الله قادر على إعادة الحياة إليها.
قال ابن عبّاس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأكثر المفسّرين ـ رضي الله عنهم ـ : إنّه الموت ؛ فإنّه ليس في نفس ابن آدم شيء أكبر من الموت ، أي : لو كنتم الموت بعينه ، لأميتنّكم ، ولأبعثنكم ، وهذا إنّما يحسن ذكره على سبيل المبالغة ، أما نفس الأمر بهذا ، فهو محال ؛ لأن أبدان النّاس أجسام ، والموت عرض ، والجسم لا ينقلب عرضا ، وبتقدير أن ينقلب عرضا ، فالموت لا يقبل الحياة ؛ لأنّ أحد الضّدين يمتنع اتصافه بالضدّ الآخر.
وقال بعضهم : يعني السّماء والأرض.
ثم قال تعالى : (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا) ، أي : من الذي يقدر على إعادة الحياة ، فقال تعالى : (قُلِ) يا محمد : (الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي : خلقكم أوّل مرة ، ومن قدر على الإنشاء قدر على الإعادة.
قوله تعالى : (الَّذِي فَطَرَكُمْ) : فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مبتدأ ، وخبره محذوف ، أي : الذي فطركم يعيدكم ، وهذا التقدير فيه مطابقة بين السؤال والجواب.
والثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : معيدكم الذي فطركم.
الثالث : أنه فاعل بفعل مقدّر ، أي : يعيدكم الذي فطركم ، ولهذا صرّح بالفعل في نظيره عند قوله : (لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) [الزخرف : ٩].
و (أَوَّلَ مَرَّةٍ) ظرف زمان ناصبه «فطركم».
قوله تعالى : (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) ، أي : يحرّكونها استهزاء ، يقال : أنغض رأسه ينغضها ، أي : يحركها إلى فوق ، وإلى أسفل إنغاضا ، فهو منغض ، قال : [الرجز].
٣٤٢٨ ـ أنغض نحوي رأسه وأقنعا |
|
كأنّه يطلب شيئا أطمعا (١) |
وقال آخر : [الرجز]
٣٤٢٩ ـ لمّا رأتني أنغضت لي الرّأسا (٢)
وسمي الظليم نغضا لأنه يحرك رأسه وقال أبو الهيثم : «إذا أخبر الرّجل بشيء ، فحرّك رأسه ؛ إنكارا له ، فقد أنغض».
__________________
(١) ينظر البيت في مجاز القرآن ١ / ٣٨٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٣ ، القرطبي ١٠ / ١٧٨ ، روح المعاني ١٥ / ٩٢ ، الدر المصون ٤ / ٣٩٨.
(٢) ينظر البيت في تفسير الطبري ١٥ / ٧٠ ، البحر ٦ / ٤٣ ، القرطبي ١٠ / ١٧٨ ، الدر المصون ٤ / ٣٩٨.