وفي الحديث : «استمخروا الرّيح وأعدّوا النبل» (١) يعني في الاستنجاء ، أي : ينظر أين مجراها وهبوبها ؛ فليستدبرها ؛ حتّى لا يرد عليه البول. والماخور : الموضع الذي يباع فيه الخمر ، و«ترى» هنا بصرية فقط.
قوله (وَلِتَبْتَغُوا) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : عطف على «لتأكلوا» وما بينهما اعتراض كما تقدم ، وهذا هو الظاهر.
وثانيها : أنه عطف على علّة محذوفة ، تقديره : لتنتفعوا بذلك ولتبتغوا ، ذكره ابن الأنباري.
وثالثها : أنه متعلق بفعل محذوف ، أي : فعل ذلك لتبتغوا. وفيهما تكلّف لا حاجة إليه.
ومعنى (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) يعني : لتركبوها للتجارة ؛ فتطلبوا الرّبح من فضل الله ، فإذا وجدتم فضل الله فلعلكم تشكرونه.
قوله تعالى : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) والمقصود منه : ذكر بعض النعم التي خلقها الله في الأرض ، وتقدم ذكر الرواسي.
قوله (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) أي : كراهة أن تميد ، أو لئلّا تميد ، أي : تتحرّك ، والميد : هو الاضطراب [والتكفؤ](٢) ، ومنه قيل للدوار الذي يعتري راكب البحر : ميد.
قال وهب : «لما خلق الله الأرض جعلت تمور ؛ فقالت الملائكة : إنّ هذه غير مقرّة أحد على ظهرها ، [فأصبحت](٣) وقد أرسيت بالجبال ، فلم تدر الملائكة ممّ خلقت الجبال ؛ كالسفينة إذا ألقيت في الماء ، فإنها تميل من جانب إلى جانب ، وتضطرب ، فإذا وضعت الأجرام الثقيلة فيها ، استقرت على وجه الماء».
قال ابن الخطيب ـ رحمهالله ـ وهذا مشكل من وجوه :
الأول : أنّ هذا التعليل ؛ إمّا أن يكون مع القول بأن حركات هذه الأجسام بطبعها ، أو ليست بطبعها ؛ بل هي واقعة بتحريك الفاعل المختار ، أمّا على التقدير الأول فمشكل ؛ لأن الأرض أثقل من الماء ، والأثقل من الماء يغوص في الماء ، ولا يبقى طافيا عليه ، وإذا لم يبق طافيا ، امتنع أن يقال : إنّها تميل ، وتميد وتضطرب ، وهذا بخلاف السفينة ؛ لأنها متخذة من الخشب ، وفي داخل الخشب تجويفات مملوءة من الهواء ، فلهذا السّبب تبقى الخشبة طافية على الماء ، [فحينئذ](٤) تميل وتميد وتضطرب على وجه الماء ، فإذا أرسيت بالأجرام الثقيلة ، استقرت وسكنت ؛ فافترقا.
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٦٤) بلفظ : إذا أراد أحدكم البول فليستمخر الريح.
(٢) في ب : والحركة.
(٣) في ب : فأصبحوا.
(٤) في أ: لا جرم.