تعالى عنهم ذلك في قولهم : (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) [الأنبياء : ٥].
وقال آخرون : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) [الإسراء : ٩٠] الآيات.
وقال سعيد بن جبير : إنّهم قالوا إنّك تزعم أنّه كان قبلك أنبياء منهم من سخّرت له الريح ، ومنهم من أحيا الموتى ، فأتنا بشيء من هذه المعجزات (١) ، فأجابهم الله تعالى بهذه الآية.
وفي تفسير (٢) هذا الجواب وجوه :
الأول : أن المعنى أنّي إن أظهرت تلك المعجزات ، ثم لم يؤمنوا بها ، بل بقوا مصرّين على الكفر ، فحينئذ : يصيرون مستحقين لعذاب الاستئصال ، لكنّ إنزال عذاب الاستئصال على هذه الأمّة غير جائز ؛ لأنّ الله تعالى علم [أن] فيهم من سيؤمن أو يؤمن من أولادهم ، فلهذا لم يظهر تلك المعجزات.
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ إنّ أهل مكّة سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يجعل لهم الصّفا ذهبا ، وأن يزيل عنهم الجبال ، حتّى يزرعوا تلك الأرض ، فطلب الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ذلك من الله تعالى ، فقال سبحانه جلّ ذكره : إن شئت أن أستأني فعلت وإن شئت أن أوتيهم ما شاءوا فعلت لكن بشرط ؛ أنهم إن لم يؤمنوا ، أهلكتهم ، قال : لا أريد ذلك ، فنزلت هذه الآية (٣).
الثاني في تفسير هذا الجواب : أنّا لا نظهر المعجزات ؛ لأن آباءكم رأوها ، ولم يؤمنوا بها ، وأنتم مقتدون بهم ، فلو رأيتموها ، لم تؤمنوا بها أيضا.
الثالث : أنّ الأوّلين رأوا هذه المعجزات ، وكذّبوا بها ، فعلم الله منكم أيضا : أنّكم لو شاهدتموها ، لكذّبتم بها ، فكان إظهارها عبثا ، والحكيم لا يفعل العبث.
قوله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ) : «أن» الأولى وما في حيزها في محلّ نصب أو جرّ على اختلاف القولين ؛ لأنها على حذف الجارّ ، أي : من أن نرسل ، والثانية وما في حيّزها في محلّ رفع بالفاعليّة ، أي : وما منعنا من إسال الرسل بالآيات إلا تكذيب الأوّلين ، أي : لو أرسلنا الآيات المقترحة لقريش ، لأهلكوا عند تكذيبهم ؛ كعادة من قبلهم ، لكن علم الله سبحانه أنّه يؤمن بعضهم ،
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٩٨).
(٢) في أتقدير.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٩٨) والبزار (٢٢٢٤ ـ كشف) والنسائي في «الكبرى» (٦ / ٣٨٠) والحاكم (٢ / ٢٦٢) والطبراني كما في «مجمع الزوائد» (٧ / ٥٣) عن ابن عباس.
وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
وقال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٤٤) وعزاه إلى أحمد والنسائي والبزار وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في «الدلائل» والضياء في «المختارة».