سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ) [آل عمران : ١٢] ، ولما كان كلّ ما أخبر الله عن وقوعه ، فهو واجب الوقوع ، فكان من هذا الاعتبار كالواقع ، فلا جرم قال : (أَحاطَ بِالنَّاسِ).
وروي أنّه لما تزاحف الفريقان يوم بدر ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم في العريش ، مع أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ كان يدعو ، ويقول : اللهمّ ، إنّي أسألك عهدك ووعدك لي ، ثمّ خرج ، وعليه الدّرع يحرض النّاس ويقول : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)(١) [القمر : ٤٥].
ثم قال تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ).
والأكثرون على أنّ المراد منه ما رأى النبي صلىاللهعليهوسلم ليلة المعراج من العجائب والآيات.
قال ابن عباس : هي رؤيا عين أريها رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢) وهو قول سعيد بن جبير ، والحسن ، ومسروق ، وقتادة ، ومجاهد ، وعكرمة ، وابن جريح (٣) والأكثرين.
ولا فرق بين الرّؤية والرّؤيا في اللغة ، يقال : رأيت بعيني رؤية ورؤيا.
وقال بعضهم : هذا يدلّ على أن قصّة الإسراء إنما حصلت في المنام ، وتقدّم بيان ضعف هذا في أوّل السورة ، وقيل : إنّه تعالى أراه في المنام مصارع قريش ، فحين ورد ماء بدر ، قال : والله ، لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم ، ثمّ أخذ يقول : هذا مصرع فلان ، هذا مصرع فلان ، فلما سمعوا قريش ذلك ، جعلوا رؤياه سخرية ، وكانوا يستعجلون بما وعده رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقيل : المراد رؤياه التي رآها ؛ أنّه يدخل مكّة ، وأخبر بذلك أصحابه ، وعجل السّير قبل الأجل إلى مكة فصدّه المشركون ، فرجع إلى المدينة ، فلما منع عن البيت الحرام عام الحديبية ، ورجع ، كان ذلك فتنة لبعض القوم ، وقال عمر لأبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ : أليس قد أخبرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّا ندخل البيت ونطوف به؟ فقال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ : إنّه لم يخبر بأنّا نفعل ذلك في هذه السّنة ، فسنفعل ذلك في سنة أخرى ، فلمّا جاء العام المقبل ، دخلها رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنزل الله تعالى : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) [الفتح : ٢٧] واعترضوا على هذين القولين بأنّ هذه السورة مكيّة ، وهاتان الواقعتان مدنيتان ، وهو اعتراض ضعيف ؛ لأن هاتين الوقعتين ، وإن كانتا مدنيتين ، فرؤيتهما في المنام لا تبعد أن تكون مكيّة.
__________________
(١) تقدم.
(٢) أخرجه البخاري (٨ / ٢٥٠) كتاب التفسير باب : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلّا فتنة للناس حديث (٤٧١٦) والترمذي (٥ / ٢٨٢) رقم (٣١٣٤) والنسائي في «الكبرى» (٦ / ٣٨١) والطبري في «تفسيره» (٨ / ١٠١) والحاكم (٢ / ٣٦٢) عن ابن عباس.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٤٥) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن مردويه وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في «الدلائل».
(٣) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٢٣١.