فإن قيل : ليس في القرآن لعن هذه الشجرة.
فالجواب (١) من وجوه :
الأول : المراد لعن الكفّار الذين يأكلونها.
الثاني : أنّ العرب تقول لكلّ طعام ضارّ : إنّه ملعون.
الثالث : أنّ اللّعن في اللغة : هو الإبعاد ، فلما كانت هذه الشجرة مبعدة عن صفات الخير ، سمّيت ملعونة.
وقال ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ : الشجرة الملعونة في القرآن : بنو أميّة ، يعني : الحكم بن أبي العاص ، قال : رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المنام أنّ ولد مروان يتداولون منبره ، فقصّ رؤياه على أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ في خلوة من مجلسه ، فلمّا تفرّقوا ، سمع رسول اللهصلىاللهعليهوسلم الحكم يخبر برؤيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاشتدّ ذلك على رسول الله صلىاللهعليهوسلم واتّهم عمر في إفشاء سرّه ، ثم ظهر له أنّ الحكم كان يستمع إليهم ، فنفاه صلىاللهعليهوسلم (٢).
قال الواحديّ (٣) ـ رحمهالله ـ : هذه القصّة كانت في المدينة ، والسورة [مكية](٤) ، فيبعد هذا التفسير ، إلّا أن يقال : هذه الآية مدنية ، ولم يقل به أحد ، ويؤكّد هذا التّأويل قول عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ لمروان : لعن الله أباك ، وأنت في صلبه ، فأنت بعض من لعنة الله (٥).
وقيل : الشجرة الملعونة في القرآن هم اليهود ؛ لقوله تعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [المائدة : ٧٨].
وقيل : الشّجرة الملعونة هي الّتي تلتوي على الشّجر ، فتخنقه ، يعني «الكشوث».
فإن قيل : إنّ القوم طلبوا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم الإتيان بالمعجزات القاهرة ، فأجاب بأنّه لا مصلحة في إظهارها ؛ لأنّها لو ظهرت ، ولم يؤمنوا ، نزل عليهم عذاب الاستئصال ، وذلك غير جائز ، فأيّ تعلق لهذا الكلام بذكر الرؤيا التي صارت فتنة للنّاس وبذكر الشجرة [التي صارت فتنة للنّاس].
فالجواب : أنّ التقدير كأنّه قيل : إنّهم لما طلبوا هذه المعجزات ، ثم إنّك لم تظهرها ، صار عدم ظهورها شبهة لهم في أنّك لست بصادق في دعوى (٦) النبوّة ، إلّا أنّ وقوع هذه الشبهة لا يضيق صدرك ، ولا يوهن أمرك ، ولا يصير سببا لضعف حالك ؛ ألا ترى أنّ تلك الرؤيا صارت سببا لوقوع الشبهة العظيمة عندهم ، ثم إنّ قوة تلك الشبهات ما أوجبت ضعفا في أمرك ، فكذلك هذه الشبهة الحاصلة بسبب عدم ظهور هذه المعجزات لا يوجب فتورا في حالك ، ولا ضعفا في أمرك.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢٠ / ١٨٩.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ١٨٩).
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) في ب : مدينة.
(٥) ينظر : المصدر السابق.
(٦) في أ: دعوة.