أنّ الأرض كرة ، وثبت أنّ الجبال على سطح الكرة جارية مجرى خشونات تحصل على وجه هذه الكرة.
وإذا ثبت هذا فنقول : لو فرضنا أنّ هذه الخشونات ما كانت حاصلة ؛ بل كانت الأرض كرة حقيقية ، خالية عن الخشونات ، والتضريسات ـ لصارت بحيث تتحرك بالاستدارة بأدنى سبب ؛ لأنّ الجرم البسيط المستدير : إمّا أن يجب كونه متحركا بالاستدارة ؛ وإن لم يجب ذلك عقلا ، إلّا أنّها بأدنى سبب تتحرك على [هذا الوجه](١) ، فلما حصل على ظاهر سطح الكرة من الأرض هذه الجبال ، وكانت الخشونات الواقعة على وجه الكرة ، فكل واحد من هذه الجبال إنّما يتوجه بطبعه نحو مركز العالم ، وتوجّه ذلك الجبل نحو مركز العالم بثقله العظيم ، وقوته الشديدة ، يكون جاريا مجرى الوتد الذي يمنع كرة الأرض من الاستدارة ، فكان تخليق هذه الجبال على وجه الأرض كالأوتاد المغروزة في الكرة المانعة من الحركة المستديرة ، فكانت مانعة للأرض من الميد ، والميل ، والاضطراب ، بمعنى أنها منعت الأرض من الحركة المستديرة والله أعلم.
قوله : «وأنهارا» عطف على «رواسي» ؛ لأنّ الإلقاء بمعنى الخلق ، وادّعى ابن عطيّةرحمهالله : أنّه منصوب بفعل مضمر ، أي : وجعل فيها أنهارا. وليس كما ذكر.
وقيل : الإلقاء معناه الجعل ، قال تعالى : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها) [فصلت : ١٠] وقدره أبو البقاء : «وشقّ فيها أنهارا» وهو مناسب.
واعلم أنّه ثبت في العلوم العقليّة ، أنّ أكثر الأنهار إنما يتفجر منابعها في الجبال ، فلهذا [السبب] لمّا ذكر الجبال ، أتبع ذكرها بتفجير العيون والأنهار.
قوله «وسبلا» أي : وذلّل ، أو وجعل فيها طرقا ؛ لتهتدوا بها في أسفاركم ؛ كقوله تعالى: (وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [طه : ٥٣] إلى ما تريدون.
وقوله : (وَعَلاماتٍ) أي : وضع فيها علامات.
قوله : «وبالنّجم» متعلق ب «يهتدون» والعامة على فتح النون ، وسكون الجيم ، بالتوحيد ، فقيل : المراد به : كوكب بعينه وهو الجدي أو الثّريّا.
وقيل : بل هو اسم جنس ، وقرأ (٢) ابن وثّاب : بضمهما ، والحسن : بضمّ النون فقط ، وعكس بعضهم النقل عنهما.
فأمّا قراءة الضمتين ، ففيها تخريجان :
أظهرهما : أنه جمع صريح ؛ لأنّ فعلاء يجمع على فعل ؛ نحو : «سقف وسقف ، وزهر وزهر».
__________________
(١) في ب : وجه الماء.
(٢) ينظر : المحتسب ٨١٢ ، والإتحاف ٢ / ١٨٢ ، والبحر ٥ / ٤٦٦ ، والشواذ ٧٢ ، والدر المصون ٤ / ٣١٨.
اللّباب / ج ١٢ / م ٣