وقيل : بحسن الصورة ؛ كقوله تعالى : (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) [غافر : ٦٤] ولما ذكر خلقه للإنسان ، قال : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٤] وقال جل ذكره : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) [البقرة : ١٣٨].
وتأمل عضوا واحدا من أعضاء الإنسان ، وهو العين ، فخلق الحدقة سوداء ، ثم أحاط بذلك السواد بياض العين ، ثم أحاط بذلك البياض سواد الأشفار ، ثم أحاط بذلك السواد بياض الأجفان ، ثم خلق فوق بياض الجفن سواد الحاجبين ، ثم خلق فوق سواد الحاجبين بياض الجبهة ، ثم خلق فوق بياض الجبهة سواد الشعر.
وقيل : الرجال باللحى ، والنساء بالذوائب.
وقيل : بأن سخر لهم سائر الأشياء.
وقال بعضهم : من كرامات الآدمي أن آتاه الله الخط.
وتحقيق الكلام : أن العلم الذي يقدر الإنسان على استنباطه يكون قليلا ، فإذا أودعه في كتاب ، وجاء الإنسان الثاني ، واستعان بذلك الكتاب ، ضم إليه من عند نفسه آخر ، ثم لا يزالون يتعاقبون ، ويضم كل متأخر مباحث كثيرة إلى علم المتقدمين ، فكثرت العلوم ، وانتهت المباحث العقلية ، والمطالب الشرعية إلى أقصى الغايات ، وأكمل النهايات ، وهذا لا يتأتى إلا بواسطة الخط ، ولهذه الفضيلة ؛ قال تعالى : (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) [العقل : ٣ ـ ٥].
وقال بعضهم : إن المخلوقات أربعة أقسام :
قسم حصلت له القوة العقلية الحكمية ، ولم تحصل له القوة الشهوانية ، وهم الملائكة ـ صلوات الله عليهم ـ وقسم بالعكس ، وهم البهائم ، وقسم خلا عن القسمين ، وهم النبات والجمادات ، وقسم حصل النوعان فيه ، وهو الإنسان ، ولا شك أن الإنسان ؛ لكونه مستجمعا للقوة العقلية ، والقوة الشهوانية ، والبهيمية والنفسية والسبعية يكون أفضل من البهيمة والسبع ، وهو أيضا أفضل من الخالي عن القوتين ؛ كالنبات والجمادات ، وإذا ثبت ذلك ، ظهر أن الله تعالى فضل الإنسان على أكثر أقسام المخلوقات.
وأيضا : الموجود : إما أن يكون أزليا وأبديا معا ، وهو الله تبارك وتعالى.
وإما ألا يكون أزليا ولا أبديا ، وهم عالم الدنيا مع ما فيه من المعادن ، والنبات ، والحيوان ، وهذا أخس الأقسام ، وإما أن يكون أزليا ، ولا يكون أبديا ، وهو الممتنع الوجود ؛ لأن ما ثبت قدمه ، امتنع عدمه ، وإما ألا يكون أزليا ، ولكنه يكون أبديا ، وهو الإنسان ، والملك ، وهذا القسم أشرف من الثاني والثالث ، وذلك يقتضي كون الإنسان أشرف من أكثر المخلوقات.
ثم قال تعالى : (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ).