قال ابن الخطيب (١) : «ورأيت جماعة يشمّون التراب ؛ فيعرفون الطرقات بشمّه».
قال الأخفش ـ رحمهالله ـ : تم الكلام عند قوله : «وعلامات» ثم ابتدأ : (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ).
وقال محمد بن كعب القرظيّ ، والكلبيّ ـ رحمهماالله ـ : الجبال علامات النّهار ، والنجوم علامات الليل (٢).
قال السديّ : أراد بالنجم : الثّريّا ، وبنات نعش ، والفرقدين ، والجدي ، يهتدى بها إلى الطرق ، والقبلة (٣).
قال القرطبيّ : سأل ابن عباس رسول الله صلىاللهعليهوسلم وشرّف وكرّم ـ عن النّجم ؛ فقال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «هو الجدي عليه قبلتكم وبه تهتدون في برّكم وبحركم» (٤) ، وذلك أنّ آخر الجدي بنات نعش الصغرى ، والقطب الذي تستوي عليه القبلة بينهما.
قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) الآية لمّا ذكر الدّلائل الدالة على وجود الإله القادر الحكيم ، أتبعه بذكر إبطال عبادة غير الله ـ تعالى ـ والمقصود أنّه لما دلت الدلائل [القاهرة](٥) على وجود إله قادر حكيم ، وثبت أنّه هو المولي لجميع هذه النعم ، والمعطي لكلّ هذه الخيرات ، فكيف يحسن في العقول الاشتغال بعبادة غيره ، لا سيّما إن كان غيره جمادا لا يفهم ، ولا يعقل؟.
فلهذا قال تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ) هذه الأشياء التي ذكرناها (كَمَنْ لا يَخْلُقُ) ، أي كمن لا يقدر على شيء ألبتة ؛ (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) فإنّ هذا القدر لا يحتاج إلى تدبّر ، ونظر ؛ بل يكفي فيه أن تتنبهوا على ما في عقولكم ، من أنّ العبادة لا تليق إلا بالمنعم الأعظم ، وأنتم ترون في الشاهد إنسانا عاقلا فاهما ينعم بالنعم العظيمة ومع ذلك فتعلمون أنّ عبادته تقبح ، فهذه الأصنام جمادات محضة ، ليس لها فهم ، ولا قدرة ولا إحساس ، فكيف تعبدونها؟.
قوله (كَمَنْ لا يَخْلُقُ) إن أريد ب (كَمَنْ لا يَخْلُقُ) جميع ما عبد من دون الله ، كان ورود «من» واضحا ؛ لأنّ العاقل يغلب على غيره ، فيعبر عن الجميع ب «من» ولو جيء أيضا ب «ما» لجاز ، وإن أريد به الأصنام ، ففي إيقاع «من» عليهم أوجه :
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢٠ / ٩.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٥٧٢) عن الكلبي وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٦٤) عن محمد بن كعب القرظي والسدي.
وذكره أيضا السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢١٢) عن الكلبي وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وابن المنذر.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٦٤).
(٤) ذكره الماوردي في «تفسيره» (٣ / ١٨٣) عن ابن عباس.
(٥) في أ: القاطعة.