والأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ فإن كنت نبيّا مثلهم ، فأت الشّام ، وإنما يمنعك من الخروج إليها مخافتك الروم ، وإنّ الله يمنعك من الرّوم ، إن كنت نبيّا ، فعسكر النبي صلىاللهعليهوسلم على ثلاثة أميال من المدينة ، وقيل : بذي الحليفة ؛ حتّى يجتمع إليه أصحابه ، ويراه النّاس عازما على الخروج إلى الشّام ، فيدخلون في دين الله ـ سبحانه وتعالى ـ فأنزلت هذه الآية ، وهذا قول الكلبيّ (١) ، وعلى هذا ، فالآية مدنية ، والمراد بالأرض : أرض المدينة ، وكثر في التنزيل ذكر الأرض ، والمراد منها مكان مخصوص ؛ كقوله تعالى : (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) [المائدة : ٣٣] أي : من مواضعهم.
وقوله تعالى : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) [يوسف : ٨٠].
يعني : التي كان يقصدها ؛ لطلب الميرة.
فإن قيل : قال الله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) [محمد : ١٣]. يعني : «مكّة»؟!.
فالجواب : أنّهم همّوا بإخراجه ، وهو ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ما خرج بسبب إخراجهم ، وإنّما خرج بأمر الله تعالى ؛ فزال التّناقض ، والاستفزاز : هو الإزعاج بسرعة.
وإذا (لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ) : قرأ العامة برفع (٢) الفعل بعد «إذن» ثابت النون ، وهي مرسومة في مصاحف العامة ، ورفعه وعدم إعمال «إذن» فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّها توسّطت بين المعطوف ، والمعطوف عليه ، قال الزمخشريّ : «فإن قلت : ما وجه القراءتين؟ قلت : أمّا الشائعة ـ يعني برفع الفعل ـ فقد عطف فيها الفعل على الفعل ، وهو مرفوع لوقوعه خبر «كاد» وخبر «كاد» واقع موقع الاسم» قلت : فيكون (لا يَلْبَثُونَ) عطفا على قوله «ليستفزّونك».
الثاني : أنها متوسطة بين قسم محذوف وجوابه ، فألغيت لذلك ، والتقدير : وو الله ، إذن لا يلبثون.
الثالث : أنها متوسطة بين مبتدأ محذوف وخبره ، فألغيت لذلك ، والتقدير : وهم إذن لا يلبثون.
وقرأ أبيّ بحذف (٣) النون ، فنصبه ب «إذن» عند الجمهور ، وب «أن» مضمرة بعدها عند غيرهم ، وفي مصحف عبد الله «لا يلبثوا» بحذفها ، ووجه النصب : أنه لم يجعل الفعل معطوفا على ما تقدّم ، ولا جوابا ، ولا خبرا ، قال الزمخشريّ : وأمّا قراءة أبيّ ،
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢١ / ٢٠) عن ابن عباس.
(٢) ينظر في قراءاتها : الشواذ ٧٧ ، والإتحاف ٢٠٢ ، والبحر ٦ / ٦٣ والدر المصون ٤ / ٤١١.
(٣) ينظر : السبعة ٣٨٣ ، والنشر ٢ / ٣٠٨ ، والتيسير ١٤١ ، والإتحاف ٢ / ٢٠٢ ، والحجة للقراء السبعة ٥ / ١١٣ ، والحجة ٤٠٨ ، والقرطبي ١٠ / ١٩٥ ، والبحر ٦ / ٦٣ ، والدر المصون ٤ / ٤١٠.