ثبت هذا ، وجب أن يكون المراد من قوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) هو الشّفاعة في إسقاط العقاب ؛ على ما هو مذهب أهل السنة.
ولمّا ثبت أن لفظ الآية مشعر بهذا المعنى إشعارا قويّا ، ثم وردت الأخبار الصحيحة في تقرير هذا المعنى ، وجب حمل اللفظ عليه ، ومما يؤكّد ذلك الدعاء المشهور عنه في إجابة المؤذّن : «وابعثه المقام المحمود الذي وعدته» (١).
واتّفق النّاس على أنّ المراد منه الشّفاعة.
والقول الثاني : قال حذيفة : يجمع النّاس في صعيد ، فلا تتكلّم نفس ، فأوّل من يتكلّم محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فيقول : لبّيك ، وسعديك ، والشّرّ ليس إليك ، والمهديّ من هديت ، والعبد بين يديك ، وبك وإليك ، لا منجى ولا ملجأ منك إلّا إليك ، تباركت ، وتعاليت ، سبحانك ربّ البيت». قال : فهذا هو المراد من قوله عزوجل : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً)(٢).
والقول الأول أولى ؛ لأنّ سعيه في الشّفاعة يفيد إقدام الناس على حمده ، فيصير محمودا ، وأمّا ذكر هذا الدعاء ، فلا يفيد إلّا الثواب ، أمّا الحمد ، فلا.
فإن قالوا : لم لا يجوز أن يقال : إنّه تعالى يحمده على هذا القول؟.
فالجواب : أنّ الحمد في اللغة : مختصّ بالثناء المذكور في مقابلة الإنعام بلفظ ، فإن ورد لفظ «الحمد» في غير هذا المعنى ، فعلى سبيل المجاز.
القول الثالث : المراد مقام تحمد عاقبته ، وهذا ضعيف ؛ لما ذكرنا.
القول الرابع : قال الواحديّ ـ رحمهالله ـ : روي عن ابن عبّاس (٣) ـ رضي الله
__________________
(١) أخرجه البخاري (٢ / ٩٤) كتاب الأذان : باب الدعاء عند النداء حديث (٦١٤) وأبو داود (٥٢٩) والترمذي (٢١١) من حديث جابر.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١٣٢) والنسائي في «الكبرى» (٦ / ٣٨١) والبزار (٣٤٦٤ ـ كشف) والحاكم (٢ / ٣٦٣ ـ ٣٦٤) من حديث حذيفة.
وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٥٧) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في «البعث» والخطيب في «المتفق والمفترق».
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٥٩) عن ابن عباس وعزاه إلى الطبراني.
وذكره الهيثمي في «المجمع» (٧ / ٥٤) وقال : رواه الطبراني وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف إذا لم يتابع وعطاء بن دينار قيل : لم يسمع من سعيد بن جبير. وقد روي مثله عن مجاهد وسيأتي.
وقد جاء معناه أيضا مرفوعا :
ذكره الذهبي في «العلو للعلي الغفار» ص (٥٥) من طريق أحمد بن يونس عن سلمة الأحمر عن أشعث بن طليق عن عبد الله بن مسعود مرفوعا وقال : هذا حديث منكر لا يفرح به وسلمة هذا متروك الحديث وأشعث لم يلحق ابن مسعود.