ونزل في الرّوح : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً).
قال ابن الخطيب (١) : ومن النّاس من [طعن](٢) في هذه الرواية ؛ من وجوه :
أولها : قالوا : ليس الروح أعظم شأنا ، ولا أعلى درجة من الله تعالى ، فإن كانت معرفة الله تعالى حاصلة ممكنة ، فأي مانع يمنع من معرفة الروح؟!.
وثانيها : أن اليهود قالوا : إن أجاب عن قصّة أهل الكهف ، وقصّة ذي القرنين ، ولم يجب عن الروح ، فهو نبيّ ، وهذا كلام بعيد عن العقلاء ؛ لأن قصّة أصحاب الكهف ، وقصّة ذي القرنين ليست إلا حكاية ، والحكاية لا تكون دليلا على النبوة.
وأيضا : فالحكاية التي يذكرها : إما أن تعتبر قبل العلم بنبوته ، أو بعد العلم بنبوته.
فإن كانت قبل العلم بنبوته ، كذّبوه فيها ، وإن كانت بعد العلم بنبوته ، فحينئذ : نبوّته معلومة ؛ فلا فائدة في ذكر هذه الحكاية وأما عدم الجواب عن حقيقة الروح ، فهذا يبعد جعله دليلا على صحّة النبوة.
وثالثها : أنّ مسألة الروح يعرفها أصاغر الفلاسفة ، وأراذل المتكلّمين ، فلو قال الرسولصلىاللهعليهوسلم : «إنّي لا أعرفها» لأورث ذلك ما يوجب التّحقير ، والتّنفير ؛ فإنّ الجهل بمثل هذه المسألة يفيد تحقير أيّ إنسان كان ، فكيف الرسول الذي هو أعلم العلماء ، وأفضل الفضلاء؟!.
ورابعها : أنه تعالى قال في حقّه : (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ) [الرحمن : ١ ، ٢].
وقال : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) [النساء : ١١٣].
وقال : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طه : ١١٤].
وقال في [حقّه ، أي القرآن ، وصفته (٣)] : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [الأنعام : ٥٩].
وكان صلىاللهعليهوسلم يقول : أرني الأشياء كما هي.
فمن هذا حاله وصفته ، أيليق به أن يقول : أنا لا أعرف هذه المسألة ، مع أنّها من المسائل المشهورة المذكورة عند جمهور الخلق؟!.
بل المختار عندنا : أنّهم سألوه عن الروح ، وأنّه ـ صلوات الله عليه ـ أجابهم على أحسن الوجوه ، وتقريره أن المذكور في الآية ، أنهم سألوه عن الروح ، والسؤال عن الروح يقع على وجوه كثيرة :
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٣١.
(٢) في أ: يطعن.
(٣) في ب : صفة القرآن.