الصّدق هو المعجز](١) فقط فهذا المعجز سواء ظهر على الملك ، أو على البشر ، وجب الإقرار برسالته ، فقولهم : «لا بدّ وأن يكون الرسول من الملائكة» : تحكم فاسد باطل.
والجواب الثاني عن شبهتهم ، وهي أنّ أهل الأرض لو كانوا ملائكة ، لوجب أن يكون رسولهم من الملائكة ؛ لأنّ الجنس إلى الجنس أميل ، فلما كان [أهل الأرض](٢) من البشر ، فوجب أن يكون رسولهم من البشر ؛ وهذا هو المراد من قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٥].
الجواب الثالث : قوله تعالى : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ).
وتقريره أنّ الله تعالى ، لمّا أظهر المعجزة على وفق دعواى ، كان ذلك شهادة من الله تعالى على كوني صادقا ، ومن شهد الله على صدقه ، فهو صادق ، فقولكم بأنّ الرسول يجب أن يكون ملكا ، فذلك تحكّم فاسد ؛ لا يلتفت إليه. ولمّا ذكر الله تعالى هذه الأجوبة الثلاثة ، أردفها بما يجري مجرى التهديد ، والوعيد ؛ فقال : (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) [الإسراء : ٩٦]. أي : يعلم ظواهرهم وبواطنهم ، ويعلم أنّهم لا يذكرون هذه الشبهات إلا لمحض الحسد ، وحبّ الرياسة.
قوله : (أَنْ يُؤْمِنُوا) : مفعول ثان ل «منع» ، أي : ما منعهم إيمانهم ؛ و (أَنْ قالُوا) هو الفاعل ، و«إذ» ظرف ل «منع» ، والتقدير : وما منع الناس من الإيمان وقت مجيء الهدى إيّاهم إلا قولهم : أبعث الله.
وهذه الجملة المنفيّة يحتمل أن تكون من كلام الله ، فتكون مستأنفة ، وأن تكون من كلام الرسول ، فتكون منصوبة المحلّ ؛ لاندراجها تحت القول في كلتا القراءتين.
قوله : (بَشَراً رَسُولاً) تقدّم في نظيره وجهان ، وكذلك قوله (لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً).
قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ) : يجوز في «كان» هذه التمام ، أي : لو وجد ، وحصل ، و«يمشون» صفة ل «ملائكة» و (فِي الْأَرْضِ) متعلق به ، «مطمئنين» حال من فاعل «يمشون» ، ويجوز أن تكون الناقصة ، وفي خبرها أوجه ، أظهرها : أنه الجار ، و«يمشون» و«مطمئنّين» على ما تقدم. وقيل : الخبر «يمشون» و (فِي الْأَرْضِ) متعلق به.
وقيل : الخبر «مطمئنّين» و«يمشون» صفة ، وهذان الوجهان ضعيفان ؛ لأنّ المعنى على الأول.
فإن قيل : إنّه تعالى لو قال : قل لو كان في الأرض ملائكة ، لنزّلنا عليهم من السّماء ملكا رسولا كان كافيا في هذا المعنى. فما الحكمة في قوله : (يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ)؟!.
__________________
(١) زيادة من ب.
(٢) في أ: رسولهم.