نعمة علينا ؛ فلأنه مشتمل على التكاليف والأحكام والوعد [والوعيد] والثواب والعقاب ، فكلّ واحد ينتفع به بمقدار طاقته وفهمه.
قوله : (وَلَمْ يَجْعَلْ) : في هذه الجملة أوجه ، أحدها : أنها معطوفة على الصلة قبلها. والثاني : أنها اعتراضية بين الحال وهي «قيّما» وبين صاحبها وهو «الكتاب». والثالث : أنها حال من «الكتاب» ، ويترتب على هذه الأوجه القول في «قيّما».
قوله : (قَيِّماً) : فيه أوجه : الأول : أنه حال من «الكتاب». والجملة من قوله (وَلَمْ يَجْعَلْ) اعتراض بينهما. وقد منع الزمخشري ذلك فقال : «فإن قلت : بم انتصب «قيّما»؟
قلت : الأحسن أن ينتصب بمضمر ، ولم يجعل حالا من «الكتاب» لأن قوله (وَلَمْ يَجْعَلْ) معطوف على «أنزل» فهو داخل في حيّز الصلة ، فجاعله حالا فاصل بين الحال وذي الحال ببعض الصلة» ، وكذلك قال أبو البقاء (١). وجواب هذا ما تقدّم من أن الجملة اعتراض لا معطوفة على الصّلة.
الثاني : أنه حال من الهاء في «له». قال أبو البقاء : «والحال مؤكدة. وقيل : منتقلة». قال شهاب الدين : القول بالانتقال لا يصحّ.
الثالث : أنه منصوب بفعل مقدر ، تقديره : جعله قيّما. قال الزمخشري : «تقديره : ولم يجعل له عوجا ، جعله قيّما ، لأنه إذا نفى عنه العوج فقد أثبت له الاستقامة». قال : «فإن قلت : ما فائدة الجمع بين نفي العوج وإثبات الاستقامة وفي أحدهما غنى عن الآخر؟. قلت : فائدته التأكيد فربّ مستقيم مشهود له بالاستقامة ، ولا يخلو من أدنى عوج عند السّير والتصفّح».
الرابع : أنه حال ثانية ، والجملة المنفيّة قبله حال أيضا ، وتعدد الحال لذي حال واحد جائز. والتقدير : أنزله غير جاعل له عوجا قيما.
والخامس : أنه حال أيضا ، ولكنه بدل من الجملة قبله لأنها حال ، وإبدال المفرد من الجملة إذا كانت بتقدير مفرد جائز ، وهذا كما أبدلت الجملة من المفرد في قوله : «عرفت زيدا أبو من هو».
والضمير في «له» فيه وجهان ، أحدهما : أنه للكتاب ، وعليه التخاريج المتقدمة. والثاني: أنه يعود على «عبده» ، وليس بواضح.
وقرأ العامة بتشديد الياء ، وأبان بن تغلب بفتحها خفيفة. وقد تقدّم القول فيها.
ووقف حفص على تنوين «عوجا» يبدله ألفا ، ويسكت سكتة لطيفة من غير قطع نفس ، إشعارا بأنّ «قيّما» ليس متصلا ب «عوجا» ، وإنما هو من صفة الكتاب. وغيره لم يعبأ بهذا الوهم فلم يسكت اتّكالا على فهم المعنى.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ٢ / ٩٨.