للكل ، لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفّار بهذا التكميل فائدة.
قال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «أيّما داع دعى إلى الهدى ، فاتّبع ، كان له مثل أجر من اتّبعه لا ينقص من أجورهم شيء ، وأيّما داع دعى إلى الضّلال فاتّبع ؛ كان عليه وزر من اتّبعه لا ينقص من آثامهم شيء» (١).
قوله : (وَمِنْ أَوْزارِ) فيه وجهان :
أحدهما : أنّ «من» مزيدة ، وهو قول الأخفش ، أي : وأوزار الذين ، على معنى : ومثل أوزار ؛ كقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «كان عليه وزرها ووزر من عمل بها» (٢).
الثاني : أنها غير مزيدة ، وهي للتبعيض ، أي : وبعض أوزار الذين ، وقدّر أبو البقاء : مفعولا حذف ، وهذه صفته ، أي : وأوزار من أوزار ، ولا بد من حذف «مثل» أيضا.
ومنع الواحديّ أن تكون «من» للتبعيض ، قال : «لأنّه يستلزم تخفيف الأوزار عن الأتباع ، وهو غير جائز ، لقوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» لكنها للجنس ، أي : ليحملوا من جنس أوزار الأتباع».
قال أبو حيان (٣) : «والتي لبيان الجنس لا تقدّر هكذا ؛ وإنّما تقدر الأوزار التي هي أوزار الذين يضلونهم فهو من حيث المعنى موافق لقول الأخفش ، وإن اختلفا في التقدير».
قوله تعالى : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) حال وفي صاحبها وجهان :
أحدهما : أنه مفعول «يضلّون» أي : يضلون من لا يعلم أنهم ضلال ؛ قاله الزمخشريّ.
والثاني : أنه الفاعل ، ورجّح هذا بأنّه المحدث عنه ، وتقدم الكلام في إعراب نحو : (ساءَ ما يَزِرُونَ) وأنّها قد تجري مجرى بئس ، والمقصود منه المبالغة في الزّجر.
فإن قيل : إنه ـ تعالى ـ حكى هذه الشّبهة عنهم ، ولم يجب عنها ، بل اقتصر على محض الوعيد ، فما السبب فيه؟.
فالجواب : أنه ـ تعالى ـ بين كون القرآن معجزا بطريقين :
__________________
(١) أخرجه بهذا اللفظ الطبري في «تفسيره» (٧ / ٥٧٦) عن الربيع بن أنس مرسلا وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢١٧) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.
وله شاهد من حديث أنس أخرجه ابن ماجه (٢٠٥).
وقال البوصيري في الزوائد : إسناده ضعيف.
وللحديث شاهد قوي من حديث أبي هريرة.
أخرجه مسلم (٤ / ٢٠٦٠) كتاب العلم : من سن سنة حسنة (١٦ / ٢٦٧٤) وابن ماجه (١ / ٧٥) المقدمة : باب من سن سنة حسنة أو سيئة (٢٠٦) وأبو داود (٤٦٠٩) والترمذي (٢٦٧٤).
وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.
(٢) انظر : الحديث السابق.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٧٠.