قال أبو حيّان (١) : «وهذا غير جائز عند البصريّين». يعني : من كونه حذف عائده المنصوب ، نحو «زيد ضربت» وقد تقدم خلاف النّاس في هذا ، والصحيح جوازه ، والقائم مقام الفاعل ، قيل : الجملة من قوله (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) لأنها المقولة ، والبصريون يأبون ذلك ، ويجعلون القائم مقامه ضمير المصدر ؛ لأنّ الجملة لا تكون فاعلة ، ولا قائمة مقام الفاعل ، والفاعل المحذوف : إمّا المؤمنون ، وإما بعضهم ، وإمّا المقتسمون.
وقرىء (٢) «أساطير» بالنصب على تقدير : أنزل أساطير ، على سبيل التهكّم ، أو ذكرتم أساطير.
والعامة برفعه على أنّه خبر مبتدأ مضمر فاحتمل أن يكون التقدير : المنزّل أساطير على سبيل التّهكّم ، أو المذكور أساطير ، وللزمخشريّ هنا عبارة [فظيعة](٣).
قوله «ليحملوا» لمّا حكى شبهتهم قال : «ليحملوا» وفي هذه اللام ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها لام الأمر الجازمة على معنى الحتم عليهم ، والصغار الموجب لهم ، وعلى هذا فقد تمّ الكلام عند قوله : «الأوّلين» ثم استؤنف أمرهم بذلك.
الثاني : أنها لام العاقبة ، أي : كان عاقبة [قولهم](٤) ذلك ؛ لأنّهم لم يقولوا أساطير ليحملوا ؛ فهو كقوله تعالى : (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨].
قال : [الوافر]
٣٣٠٩ ـ لدوا للموت وابنوا للخراب |
|
........... (٥) |
الثالث : أنها للتعليل ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه تعليل مجازي.
قال الزمخشريّ رحمهالله : واللام للتعليل من غير أن تكون غرضا ؛ نحو قولك «خرجت من البلد مخافة الشّرّ».
والثاني : أنه تعليل حقيقة.
قال ابن عطيّة (٦) بعد حكاية وجه لام العاقبة : «ويحتمل أن يكون صريح لام كي ؛ على معنى قدّر هذا ؛ لكذا» انتهى.
لكنه لم يعلّقها بقوله «قالوا» إنما قدّر لها عاملا ، وهو «قدّر» هذا.
وعلى قول الزمخشري يتعلق ب «قالوا» لأنها ليست لحقيقة العلّة ، و«كاملة» حال ، والمعنى لا يخفّف من عقابهم شيء ، بل يوصل ذلك العقاب بكليته إليهم ، وهذا يدل على أنّه ـ تعالى ـ قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين إذ لو كان هذا المعنى حاصلا
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٧٠.
(٢) ينظر : البحر ٥ / ٤٧٠ ، الدر المصون ٤ / ٣٢٠.
(٣) في ب : لطيفة.
(٤) في ب : أمرهم.
(٥) تقدم.
(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣٨٧.