قوله : (وَثامِنُهُمْ) في هذه الواو أوجه :
أحدها : أنها عاطفة ، عطفت هذه الجملة على جملة قول ه «هم سبعة» فيكونون قد أخبروا بخبرين ، الأول : أنهم سبعة رجال على البتّ. والثاني أنّ ثامنهم كلبهم ، وهذا يؤذن بأن جملة قوله (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) من كلام المتنازعين فيهم.
الثاني : أن الواو للاستئناف ، وأنه من كلام الله تعالى أخبر عنهم بذلك ، قال هذا القائل: وجيء بالواو ؛ لتعطي انقطاع هذا ممّا قبله.
الثالث : أنها الواو الداخلة على الصفة ؛ تأكيدا ، ودلالة على لصق الصفة بالموصوف ، وإليه ذهب الزمخشريّ ، ونظره بقوله : (مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) [الحجر : ٤].
وردّ أبو حيّان عليه : بأنّ أحدا من النحاة لم يقله ، وقد تقدّم الكلام عليه في ذلك.
الرابع : أنّ هذه تسمّى واو الثمانية ، وأنّ لغة قريش ، إذا عدّوا يقولون : خمسة ستّة سبعة ، وثمانية تسعة ، فيدخلون الواو على عقد الثمانية خاصة ، ذكر ذلك ابن خالويه ، وأبو بكر راوي عاصم ، قلت : وقد قال ذلك بعضهم في قوله تعالى : (وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) [الزمر : ٧٣] في الزمر ، فقال : دخلت في أبواب الجنة ؛ لأنها ثمانية ، ولذلك لم يجأ بها في أبواب جهنّم ؛ لأنها سبعة ، وسيأتي هذا ، إن شاء الله.
قال أصحاب هذا القول : إنّ السبعة عند العرب أمثل في المبالغة في العدد ؛ قال تعالى : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) [التوبة : ٨٠].
ولما كان كذلك ، فلما وصلوا إلى الثّمانية ، ذكروا لفظا يدلّ على الاستئناف فقالوا : وثمانية ، فجاء هذا الكلام على هذا القانون ، قالوا : ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [التوبة : ١١٢] ؛ لأن هذا هو العدد الثامن من الأعداد المتقدمة.
وقوله : (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) [الزمر : ٧٣] لأن أبواب الجنة ثمانية ، وأبواب النّار سبعة ، فلم يأت بالواو فيها.
وقوله : (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) [التحريم : ٥] هو العدد الثامن مما تقدّم.
قال القفال (١) : وهذا ليس بشيء ؛ لقوله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) [الحشر : ٢٣] ولم يذكر الواو في النّعت الثامن.
وقرىء : «كالبهم» (٢) أي : صاحب كلبهم ، ولهذه القراءة قدّر بعضهم في قراءة العامة : وثامنهم صاحب كلبهم.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٩١.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٦ / ١١٠ ، والدر المصون ٤ / ٤٤٦.