يحصل به فائدة زائدة ؛ صونا للفظ عن التعطيل ، وليس الفائدة إلّا تخصيص هذا القول بالإثبات والتّصحيح.
الثالث : أنه تعالى أتبع القولين بقوله : (رَجْماً بِالْغَيْبِ) ولم يقله في السّبعة ، وتخصيص الشيء بالوصف يدلّ على أنّ الحال في الباقي بخلافه ، وأنه مخالف لهما في كونه (رَجْماً بِالْغَيْبِ).
الرابع : أنه قال بعده : (رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) فدلّ على أن هذا القول ممتاز عن القولين الأوّلين بمزيد القوّة والصّحة.
الخامس : أنه تعالى قال : (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) فدلّ على أنّه حصل العلم بعدتهم لذلك القليل ، وكلّ من قال من المسلمين قولا في هذا الباب ، قال : إنهم كانوا سبعة ، وثامنهم كلبهم ؛ فوجب أن يكون المراد من ذلك القليل هؤلاء الذين قالوا هذا القول ، وكان عليّ ـ رضي الله عنه ـ يقول : كانوا سبعة ، وثامنهم كلبهم ، وأسماؤهم : يمليخا ، مكسلمينا ، مسلثينا وهؤلاء الثلاثة كانوا أصحاب يمين الملك ، وعن يساره : مرنوس ، ديرنوس ، سادنوس ، وكان الملك يستشير هؤلاء الستّة ، يتصرّفون في مهمّاته ، والسّابع هو الرّاعي الذي وافقهم ، لمّا هربوا من ملكهم ، واسم كلبهم (١) قطمير ، وروي عن ابن عباس أنه قال : مكسلمينا ، ويلميخا ، ومرطوس وبينويس ، وسارينوس ، وذونوانس ، وكشفيطيطونونس وهو الراعي ، وكان ابن عباس يقول : أنا من أولئك العدد القليل (٢).
السادس : أنه تعالى ، لما قال : (سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) قال : (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ).
والظاهر أنّه لما حكى الأقوال ، فقد حكى كلّ ما قيل من الحقّ والباطل ، ويبعد أنّه تعالى ذكر الأقوال الباطلة ، ولم يذكر ما هو الحقّ ، فثبت أن جملة الأقوال الحقّة والباطلة ليست إلّا هذه الثّلاثة ، ثم خصّ الأولين بأنه رجم بالغيب ؛ فوجب أن يكون الحق هو الثالث.
السابع : أنه قال لرسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «فلا تمار فيهم إلّا مراء ظاهرا ، ولا تستفت فيهم منهم أحدا» فمنعه من المناظرة معهم في هذا الباب ، وهذا إنما يكون ، لو علم حكم هذه الواقعة ، ويبعد أن يحصل العلم بذلك لغير النبيّ صلىاللهعليهوسلم ولا يحصل للنبيّ ـ عليهالسلام ـ فعلمنا أنّ العلم بهذه الواقعة حصل للنبيّ صلىاللهعليهوسلم والظاهر أنه لم يحصل ذلك إلّا بهذا الوحي ؛ لأنّ الأصل فيما سواه العدم ، فيكون الأمر كذلك ، ويكون الحقّ قوله : (سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) وهذه الوجوه ، وإن كان فيها بعض الضعف إلّا أنه لما تقوّى بعضها ببعض ، حصل فيها تمام وكمال.
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢١ / ٩٠).
(٢) ينظر : المصدر السابق.