قوله : (مِنْ نُطْفَةٍ) : النّطفة في الأصل : القطرة من الماء الصافي ، يقال : نطف ينطف ، أي : قطر يقطر ، وفي الحديث : «فخرج ، ورأسه ينطف» وفي رواية : يقطر ، وهي مفسّرة ، وأطلق على المنيّ «نطفة» تشبيها بذلك.
قوله : «رجلا» فيه وجهان :
أحدهما : أنه حال ، وجاز ذلك ، وإن كان غير منتقل ، ولا مشتقّ ؛ لأنه جاء بعد «سوّاك» إذ كان من الجائز : أن يسوّيه غير رجل ، وهو كقولهم : «خلق الله الزّرافة يديها أطول من رجليها» وقول الآخر : [الطويل]
٣٥٢٨ ـ فجاءت به سبط العظام كأنّما |
|
عمامته بين الرّجال لواء (١) |
والثاني : أنه مفعول ثان ل «سوّاك» لتضمّنه معنى خلقك ، وصيّرك وجعلك ، وهو ظاهر قول الحوفيّ.
قوله : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) : قرأ ابن عامر (٢) ، ويعقوب ، ونافع في رواية بإثبات الألف وصلا ووقفا ، والباقون بحذفها وصلا ، وبإثباتها وقفا وهي رواية عن نافع ، فالوقف وفاق.
والأصل في هذه الكلمة : «لكن أنا» فنقل حركة همزة «أنا» إلى نون «لكن» وحذف الهمزة ، فالتقى مثلان ، فأدغم ، وهذا أحسن الوجهين في تخريج هذا ، وقيل : حذف همزة «أنا» [اعتباطا](٣) ، فالتقى مثلان ، فأدغم ، وليس بشيء ؛ لجري الأول على القواعد ، فالجماعة جروا على مقتضى قواعدهم في حذف ألف «أنا» وصلا ، وإثباتها وقفا ، وقد تقدم لك : أنّ نافعا يثبت ألفه وصلا قبل همزة مضمومة ، أو مكسورة ، أو مفتوحة ؛ بتفصيل مذكور في البقرة ، وهنا لم يصادف همزة ، فهو على أصله أيضا ، ولو أثبت الألف هنا ، لكان أقرب من إثبات غيره ؛ لأنه أثبتها في الوصل جملة.
وأمّا ابن عامر ، فإنه خرج عن أصله في الجملة ؛ إذ ليس من مذهبه إثبات هذه الألف وصلا في موضع [ما] ، وإنما اتّبع الرسم. وقد تقدّم أنها لغة تميم أيضا.
وإعراب ذلك : أن يكون «أنا» مبتدأ ، و«هو» مبتدأ ثان ، و«هو» ضمير الشأن ، و«الله» مبتدأ ثالث و«ربّي» خبر الثالث ، والثالث وخبره خبر الثاني ، والثاني وخبره خبر الأول ، والرابط [بين الأول] وبين خبره الياء في «ربّي» ويجوز أن تكون الجلالة بدلا من «هو» أو نعتا ، أو بيانا ، إذا جعل «هو» عائدا على ما تقدّم من قوله «بالذي خلقك من
__________________
(١) البيت لرجل من بني بلقيس بن خباب بن بلقيس ، ينظر : شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ١ / ٢٧٠ ، الخزانة ٩ / ٤٨٨ ، شرح ابن عقيل ١ / ٦٢٦ ، الأشموني ٢ / ١٧٠ ، الدر المصون ٤ / ٤٥٦.
(٢) ينظر : السبعة ٣٩١ ، والحجة ٤١٧ ، والتيسير ١٤٣ ، والنشر ٢ / ٣١١ ، والحجة للقراء السبعة ٥ / ١٤٤ ، والقرطبي ١٠ / ٢٦٣ ، والبحر ٦ / ١٢١ ، والدر ٤ / ٤٥٦.
(٣) في ب : اعتياضا.