التوحيد ؛ فوجب أن يصير مؤمنا ، فلم قال بعده : (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ)؟.
فالجواب عن الأوّل : أنه لمّا عظمت حسراته لأجل أنه أنفق عمره في تحصيل الدنيا ، وكان معرضا في عمره كلّه عن طلب الدّين ، فلما ضاعت الدنيا بالكليّة ، بقي محروما عن الدنيا والدّين.
والجواب عن الثاني : أنّه إنّما ندم على الشّرك ؛ لاعتقاده أنّه لو كان موحّدا غير مشرك ، لبقيت عليه جنّته ، فهو إنّما رغب في التوحيد والردّة عن الشّرك ؛ لأجل [طلب](١) الدنيا ؛ فلهذا لم يقبل الله توحيده.
قوله : (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ) : قرأ الأخوان (٢) [«يكن»] بالياء من تحت ، والباقون من فوق ، وهما واضحتان ؛ إذ التأنيث مجازيّ ، وحسن التذكير للفصل.
قوله : «ينصرونه» يجوز أن تكون هذه الجملة خبرا ، وهو الظاهر ، وأن تكون حالية ، والخبر الجار المتقدم ، وسوّغ مجيء الحال من النّكرة تقدم النفي ، ويجوز أن تكون صفة ل «فئة» إذا جعلنا الخبر الجارّ.
وقال : «ينصرونه» حملا على معنى «فئة» لأنّهم في قوّة القوم والنّاس ، ولو حمل على لفظها ، لأفرد ؛ كقوله تعالى : (فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ) [آل عمران : ٢].
وقرأ (٣) ابن أبي عبلة : «تنصره» على اللفظ ، قال أبو البقاء (٤) : «ولو كان «تنصره» لكان على اللفظ». قال شهاب الدين : قد قرىء بذلك ، كما عرفت.
[قال بعضهم](٥) : ومعنى «ينصرونه» يقدرون على نصرته ، ويمنعونه من عذاب الله (وَما كانَ مُنْتَصِراً) ممتنعا متنعما ، أي : لا يقدر على الانتصار لنفسه ، وقيل : لا يقدر على ردّ ما ذهب عنه.
قوله : (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ) : يجوز أن يكون الكلام تمّ على قوله «منتصرا» وهذه جملة منقطعة عمّا قبلها ، وعلى هذا : فيجوز في الكلام أوجه :
الأول : أن يكون (هُنالِكَ الْوَلايَةُ) مقدّرا بجملة فعلية ، فالولاية فاعل بالظرف قبلها ، أي : استقرّت الولاية الله ، و«لله» متعلق بالاستقرار ، أو بنفس الظرف ؛ لقيامه مقام العامل ، أو بنفس الولاية ، أو بمحذوف على أنه حال من «الولاية» وهذا إنما يتأتّى على
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) ينظر : السبعة ٣٩٢ ، والتيسير ١٤٣ ، والحجة ٤١٨ ، والإتحاف ٢ / ٢١٥ ، والحجة للقراء السبعة ٥ / ١٤٩ ، والنشر ٢ / ٢١١ ، وإعراب القراءات السبع وعللها لابن خالويه ١ / ٣٩٥.
(٣) ينظر : البحر ٦ / ١٢٤ ، والدر المصون ٤ / ٤٥٩.
(٤) ينظر : الإملاء ٢ / ١٠٣.
(٥) في ب : فصل.