قوله : (إِلَّا أَحْصاها) في محل نصب نعتا لصغيرة وكبيرة ، ويجوز أن تكون الجملة في موضع المفعول الثاني ؛ لأنّ «يغادر» بمعنى «يترك» و«يترك» قد يتعدّى لاثنين ؛ كقوله : [البسيط]
٣٥٣٦ ـ ........... |
|
فقد تركتك ذا مال وذا نشب (١) |
في أحد الوجهين.
روى أبو هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «يحشر النّاس على ثلاث طرائق راغبين راهبين ، فاثنان على بعير ، وثلاثة على بعير ، وأربعة على بعير ، وعشرة على بعير ، وتحشر بقيّتهم النّار ، تقيل معهم ، حيث قالوا ، وتبيت معهم ؛ حيث باتوا ، وتصبح معهم ، حيث أصبحوا ، وتمسي معهم ، حيث أمسوا» (٢).
وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : «قلت : يا رسول الله كيف يحشر النّاس يوم القيامة؟ قال : حفاة عراة ، قالت : قلت : والنّساء؟ قال : والنّساء ، قالت : قلت : يا رسول الله ، أستحي ، قال : يا عائشة ، الأمر أشدّ من ذلك ؛ أن يهمهم أن ينظر بعضهم لبعض» (٣).
ووضع الكتاب ، يعني كتب أعمال العباد ، توضع في أيدي الناس في أيمانهم.
وقيل : توضع بين يدي الله عزوجل ، (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ) خائفين (مِمَّا فِيهِ) في الكتاب من الأعمال الخبيثة ، كيف تظهر لأهل الموقف ، فيفتضحون (وَيَقُولُونَ) إذا رأوها: (يا وَيْلَتَنا) يا هلاكنا ، والويل والويلة : الهلكة ، وكأنّ كلّ من وقع في مهلكة ، دعا بالويل ، ومعنى النّداء تنبيه المخاطبين.
(ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) من ذنوبنا.
قال ابن عباس : الصّغيرة : التبسّم ، والكبيرة : القهقهة (٤).
قال سعيد بن جبير : الصغيرة : اللّمم ، [والمسّ ، والقبلة](٥) ، والكبيرة : الزّنا (٦).
(إِلَّا أَحْصاها) وهو عبارة عن الإحاطة ، أي : ضبطها وحصرها ، وإدخال تاء التأنيث في الصغيرة والكبيرة ، على تقدير أنّ المراد الفعلة الصغيرة والكبيرة.
__________________
(١) تقدم.
(٢) أخرجه البخاري ١١ / ٣٨٥ كتاب الرقاق : باب كيف الحشر (٦٥٢٢) ومسلم في كتاب الجنّة وصفة نعيمها : باب فناء الدنيا (٥٩ ـ ٢٨٦١) والنسائي في المصدر السابق (٢٠٨٥).
(٣) أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها : باب فناء الدنيا (٥٨ ـ ٢٨٥٩) والنسائي ٤ / ١١٤ ـ ١١٥ كتاب الجنائز : باب البعث (٢٠٨٤) وأخرجه أحمد في المسند ٦ / ٥٣.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٢٣٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤١١) وزاد نسبته إلى ابن مردويه وابن أبي الدنيا في «ذم الغيبة» وابن أبي حاتم.
(٥) في ب : والمسيس والقبل.
(٦) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٦٦).