قوله : (لَقَدْ جِئْتُمُونا) على إضمار قول ، أي : وقلنا لهم كيت وكيت.
وتقدّم أن هذا القول هو العامل في قوله (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) [الكهف : ٤٧]. ويجوز أن يضمر هذا القول حالا من مرفوع «عرضوا» ، أي : عرضوا مقولا لهم كذا وكذا.
قوله : (كَما خَلَقْناكُمْ) : أي : مجيئا مشبها لخلقكم الأول حفاة ، عراة غرلا ، لا مال ، ولا ولد معكم ، وقال الزمخشري : «لقد بعثناكم كما أنشأناكم أوّل مرّة» فعلى هذين التقديرين ، يكون نعتا للمصدر المحذوف ، وعلى رأي سيبويه (١) : يكون حالا من ضميره.
قوله : (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ).
ليس المراد حصول المساواة من كل الوجوه (٢) ؛ لأنهم خلقوا صغارا ، ولا عقل لهم ، ولا تكليف عليهم ، بل المراد أنّه قال للمشركين المنكرين للبعث المفتخرين على فقراءة المؤمنين بالأموال والأنصار : (لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي حفاة ، عراة ، بغير أموال ، ولا أعوان ، ونظيره قوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ) [الأنعام : ٩٤].
ثم قال تعالى : (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) أي كنتم مع التعزّز على المؤمنين بالأموال والأنصار ، تنكرون البعث ، فالآن قد تركتم الأموال والأنصار في الدنيا ، وشاهدتم أنّ البعث والقيامة حقّ.
قوله : (أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) «أن» هي المخففة ، وفصل بينها وبين خبرها ؛ لكونه جملة فعلية متصرفة غير دعاء بحرف النفي ، و«لكم» يجوز أن يكون مفعولا ثانيا للجعل بمعنى التصيير ، و«موعدا» هو الأول ، ويجوز أن يكون معلّقا بالجعل ، أو يكون حالا من «موعدا» إذا لم يجعل الجعل تصييرا ، بل لمجرد الإيجاد.
و«بل» في قوله : (بَلْ زَعَمْتُمْ) لمجرّد الانتقال ، من غير إبطال.
قوله : (وَوُضِعَ الْكِتابُ) : العامة على بنائه للمفعول ، وزيد (٣) بن عليّ على بنائه للفاعل ، وهو الله ، أو الملك ، و«الكتاب» منصوب مفعولا به ، و«الكتاب» جنس للكتب ؛ إذ من المعلوم أنّ لكلّ إنسان كتابا يخصّه ، وقد تقدّم الوقف على (ما لِهذَا الْكِتابِ) وكيف فصلت لام الجرّ من مجرورها خطّا في سورة النساء عند (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) [النساء : ٧٨].
و (لا يُغادِرُ) جملة حالية من «الكتاب». والعامل الجار والمجرور ؛ لقيامه مقام الفعل ، أو الاستقرار الذي تعلق به الحال.
__________________
(١) ينظر : الكتاب ١ / ١١٦.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١١٤.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٦ / ١٢٨ ، الدر المصون ٤ / ٤٦٣.