روى مجاهد عن الشعبيّ قال : إنّي قاعد يوما ؛ إذ أقبل رجل فقال : أخبرني ، هل لإبليس زوجة؟ قال : إنّه لعرس ما شهدتّه ، ثم ذكرت قول الله عزوجل : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) فعلمت أنّه لا يكون ذريّة إلا من زوجة ، فقلت : نعم (١).
وقال قتادة : يتوالدون ، كما يتوالد بنو آدم (٢).
وقيل : إنّه يدخل ذنبه في دبره ، فيبيض ، فتنفلق البيضة عن جماعة من الشّياطين.
ثم قال : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً).
قال قتادة : بئس ما استبدلوا طاعة إبليس ، وذريته بعبادة ربّهم (٣).
قوله : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ) : أي : إبليس وذريته ، أو ما أشهدت الملائكة ، فكيف يعبدونهم؟ أو ما أشهدت الكفار ، فكيف ينسبون إليّ ما لا يليق بجلالي؟ أو ما أشهدت جميع الخلق.
وقرأ (٤) أبو جعفر ، [وشيبة](٥) والسختياني في آخرين : «ما أشهدناهم» على التعظيم.
والمعنى : ما أحضرناهم (خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) أي : ولا أشهدت بعضهم خلق بعض ، يعني : ما أشهدتهم ؛ لأعتضد بهم.
قوله : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) أي : ما كنت متّخذهم ، فوضع الظاهر موضع المضمر ؛ بيانا لإضلالهم ؛ وذمّا لهم وقوله : «عضدا» أي : أعوانا.
قال ابن الخطيب (٦) : والأقرب عندي أنه الضمير الرّاجع على الكفّار الذين قالوا للرسولصلىاللهعليهوسلم : إن لم تطرد عن مجلسك هؤلاء الفقراء ، لم نؤمن بك ، فكأنّه ـ تعالى ـ قال : إنّ هؤلاء الذين أتوا بالاقتراح الفاسد ، والتعنّت الباطل ، ما كانوا شركاء في تدبير العالم ؛ لأنّي ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ، ولا خلق أنفسهم ، ولا أعتضد بهم في تدبير الدنيا والآخرة ، بل هم كسائر الخلق ، فلم أقدموا على هذا الاقتراح الفاسد؟.
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤١٣) وعزاه إلى ابن المنذر والبغوي في «تفسيره» ٣ / ١٦٦ ، ١٦٧.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤١٣) وعزاه إلى ابن أبي الدنيا وأبي الشيخ عن قتادة. وأخرجه الطبري (٨ / ٢٣٨).
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤١٣) وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
وقد أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٢٣٨).
(٤) ينظر : الإتحاف ٢ / ٢١٧ ، النشر ٢ / ٣١١ ، والقرطبي ١١ / ٣ البحر ٩ / ١٢٩ ، والدر المصون ٤ / ٤٦٤ ، والكشاف ٢ / ٧٢٧.
(٥) في ب : والشيباني.
(٦) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١١٧.