نار السّموم ، وكونه من الملائكة لا ينافي كونه من الجنّ ، لقوله : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) [الصافات : ١٥٨] وقوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) [الأنعام : ١٠٠] وسمّي الجن جنّا ؛ لاستتارهم ، والملائكة داخلون في ذلك.
وأيضا : فإنه كان خازن الجنة ، فنسب إلى الجنّة ؛ كقولهم : كوفيّ ، وبصريّ.
وعن سعيد بن جبير ، قال : كان من الجنّانين الذين يعملون في الجنان ، وهم حيّ من الملائكة ، يصوغون حلية أهل الجنة منذ خلقوا (١).
رواه القاضي في تفسيره عن هشام عن سعيد بن جبير.
وقال الحسن : كان من الجنّ ، ولم يكن من الملائكة ، فهو أصل الجنّ ، كما أنّ آدم أصل الإنس (٢).
وقيل : كان من الملائكة ، فمسخ وغيّر ، وكما يدلّ على أنه ليس من الملائكة قوله تعالى : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) والملائكة ليس لهم نسل ، ولا ذرّيّة.
بقي أن يقال : لو لم يكن من الملائكة ، لما تناوله الأمر بالسجود ، فكيف يصحّ استثناؤه منهم؟.
تقدّم الكلام على ذلك في البقرة.
ثم قال تعالى : (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ).
قال الفراء : (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) ، أي : خرج من طاعته ، تقول العرب : فسقت الرطبة (٣) عن قشرها (٤) ، أي خرجت ، وسميت الفأرة فويسقة ؛ لخروجها من جحرها.
قال رؤبة : [الرجز]
٣٥٣٧ ـ يهوين في نجد وغورا غائرا |
|
فواسقا عن قصدها جوائرا (٥) |
وحكى الزجاج عن الخليل وسيبويه ، أنه قال : لما أمر فعصى ، كان سبب فسقه هو ذلك الأمر ، والمعنى : أنّه لولا ذلك الأمر السابق ، لما حصل ذلك الفسق ، فلهذا حسن أن يقال : (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) [يوسف : ٨٢].
ثم قال : «أفتتّخذونه» يعني : يا بني آدم (وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) ، أي : أعداء.
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) في أ: القشرة.
(٤) في أ: ربطها.
(٥) ينظر الشطر الأول منه في ملحق ديوانه ص ١٩٠ وفيه «يذهبن» بدلا من «يهوين» ، ونسب للعجاج في الكتاب ١ / ٩٤ وليس في ديوانه ، وينظر : الرازي ٢١ / ١١٦ ، وأساس البلاغة ص ٤٣١ (فسق) ، وجواهر الأدب ص ٣٣ ، والخصائص ٢ / ٤٣٤ ، والمحتسب ٢ / ٤٣ ، وشرح التصريح ١ / ٢٨٨ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٣١.