السماء ؛ يشهد على صدقه في ادّعاء النبوة ؛ فقال تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ) في التصديق بنبوتك (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) شاهدين بذلك ، ويحتمل أنّ القوم لما طعنوا في القرآن بقولهم : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) وذكر أنواع التهديد ، والوعيد ، ثم أتبعه بذكر الوعد لمن وصف القرآن بكونه خيرا ، عاد إلى بيان أنّ أولئك الكفار لا ينزجرون عن كفرهم ، وأقوالهم الباطلة بالبيانات التي ذكرناها ، إلا إذا جاءتهم الملائكة بالتهديد ، أو أتاهم أمر ربّك ، وهو عذاب الاستئصال ، وعلى كلا التقديرين قال تعالى : (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، أي : أفعال هؤلاء ، وكلامهم يشبه كلام الكفار المتقدمين وأفعالهم ، وتقدم الكلام على قوله : (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) [الأنعام : ١٥٨] في آخر الأنعام ، وأنّ الأخوين يقرآن بالياء من تحت ، والباقين بالتاء من فوق ، وهما واضحتان ؛ لكونه تأنيثا مجازيّا.
قوله : (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) بتعذيبه إياهم ، فإنه أنزل بهم ما استحقوه بكفرهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) أي ولكنهم ظلموا أنفسهم ؛ بكفرهم ، وتكذيبهم الرسل.
(فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) أي : عقاب سيئات ما عملوا ، فقوله : «فأصابهم» عطف على (فَعَلَ الَّذِينَ) وما بينهما اعتراض ، «وحاق» نزل «بهم» على وجه الإحاطة بجوانبهم ، (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي : عقاب استهزائهم.
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا) الآيات.
هذه شبهة ثالثة لمنكري النبوة لأنهم تمسكوا بالقول بالجبر على الطّعن في النبوة ؛ فقالوا : لو شاء الله الإيمان ، لحصل لنا سواء جئت ، أو لم تجىء ، ولو شاء الكفر لحصل الكفر ، جئت أو لم تجىء ، فالكلّ من الله ، ولا فائدة في مجيئك ولا في إرسالك وهذا غير ما حكاه الله عنهم في سورة الأنعام في قوله : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) [الأنعام : ١٤٨].
واستدلال المعتزلة به ، مثل استدلالهم بتلك الآية ، والكلام فيه استدلال واعتراض عين ما تقدم هناك ، فلا فائدة ، ولا بأس بأن نذكر منه القليل ، فنقول : الجواب عن هذه الشبهة هي : أنّهم قالوا : لما كان الكل من الله ـ تعالى ـ كانت بعثة الأنبياء عبثا ؛ فنقول : هذا اعتراض ـ على الله ـ تعالى ـ فإن قولهم : إذا لم يكن في بعثة الرسول مزيد فائدة في حصول الإيمان ، ودفع الكفر ؛ كانت بعثة الأنبياء غير جائزة من الله ـ تعالى ـ.
فهذا القول جار مجرى طلب العلة في أحكام الله ـ تعالى ـ وفي أفعاله ، وذلك باطل ؛ بل الله تعالى يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، ولا يعترض عليه في أفعاله.
وقال بعض المتكلمين والمفسرين : إنهم ذكروا هذا الكلام استهزاء ؛ كقول قوم شعيب : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) [هود : ٨٧] ولو قالوا ذلك اعتقادا لكانوا مؤمنين.
قوله : (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) قالت المعتزلة : إنه ـ سبحانه وتعالى ـ ما منع أحدا من الإيمان ، وما أوقعه في الكفر ، والرسل ليس عليهم إلا التبليغ.