فإن قيل : إنه يوجب تنفيرا.
فالجواب : وتكليمه بغير واسطة يوجب التّنفير.
فإن قالوا : هذا لا يوجب التنفير ، فكذلك فيما ذكروه.
الخامس : احتجّ الأصم بقوله : (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) أي : فعلته بوحي الله تعالى ، وذلك يدلّ على النبوة ، وهذا ضعيف أيضا.
روي أنّ موسى ـ عليهالسلام ـ لمّا وصل إليه ، فقال : السلام عليك ، فقال : وعليك السلام ، يا نبيّ بني إسرائيل ، فقال موسى : من عرّفك هذا؟ قال : الذي بعثك إليّ (١) ؛ وهذا يدلّ على أنّه إنما عرف ذلك بالوحي ، والوحي لا يكون إلا إلى النبيّ.
ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يكون ذلك من باب الكرامات؟.
قال البغوي (٢) : ولم يكن الخضر نبيّا عند أكثر أهل العلم.
قوله : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) أي : علم الباطن إلهاما.
و«علما» : مفعول ثان ل «علّمناه» قال أبو البقاء (٣) : «ولو كان مصدرا ، لكان تعليما» يعني : لأنّ فعله على «فعّل» بالتشديد ، وقياس مصدره «التّفعيل».
و (مِنْ لَدُنَّا) يجوز أن يتعلق بالفعل قبله ، أو بمحذوف على أنه حال من «علما».
قوله : (على أن تعلمني) : في موضع الحال من الكاف في «أتّبعك» أي : أتّبعك [باذلا لي علمك].
قوله : «رشدا» مفعول ثان ل «تعلّمني» لا لقوله : «ممّا علّمت» قال أبو البقاء (٤) : «لأنّه لا عائد إذن على الذي» يعني أنه إذا تعدّى لمفعول ثان غير ضمير الموصول ، لم يجز أن يتعدّى لضمير الموصول ؛ لئلا يتعدّى إلى ثلاثة ، ولكن لا بدّ من عائد على الموصول.
وقد تقدّم خلاف القراء في «رشدا» في سورة الأعراف [الآية : ١٤٦] ، وهل هما بمعنى واحد أم لا؟.
وقوله : رشدا» أي : علما ذا رشد.
قال القفّال (٥) : قوله «رشدا» يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون «الرّشد» راجعا إلى الخضر ، أي : ممّا علمك الله ، وأرشدك به.
والثاني : أن يرجع إلى موسى ، أي : على أن تعلّمني ، وترشدني ممّا علّمت.
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٧٣.
(٣) ينظر : الإملاء ٢ / ١٠٦.
(٤) ينظر : المصدر السابق.
(٥) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١٢٨.