الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ)(٤٧)
قوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) الآية هذه شبهة رابعة لمنكري النبوة ، وهو قولهم : بأنّ الحشر ، والنشر ، باطل ، لأن هذه البنية إذا مات صاحبها ، وتفرقت أجزاؤه ، امتنع عوده بعينه ، وإذا بطل القول بالبعث ، بطل القول بالنبوة من وجهين :
الأول : أن النبي صلىاللهعليهوسلم يدعو إلى تقرير القول بالمعاد ، وهو باطل ؛ فيكون داعيا إلى الباطل ؛ ومن كان كذلك لم يكن رسولا.
والثاني : أنه يقرر نبوة نفسه ، ووجوب طاعته ؛ بناء على الترغيب في الثواب والترهيب من العقاب ، وإذا بطل ذلك ، بطلت نبوته.
فقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ).
معناه : أنهم كانوا يدعون العلم الضروريّ بأن الشيء إذا فني وعدم ، فإنه لا يعود بعينه ، وأن عوده بعينه محال في بديهة العقل.
وأمّا بيان أنّه لما أبطل القول بالبعث بطل القول بالنبوة ، فلم يصرّحوا به ، فتركوه ؛ لأنّه كلام متبادر إلى العقول ، ثمّ إنه تعالى بيّن أنّ القول بالبعث ممكن ؛ فقال : «بلى وعدا عليه حقّا» أي حق على الله التمييز بين المطيع ، والعاصي ، وبين المحق ، والمبطل ، وبين المظلوم ، والظالم ؛ وهو قوله تعالى : (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) وسيأتي بيان تقرير هذه الطريقة في سورة «يس» إن شاء الله تعالى ، ثم بين إمكان الحشر ، والنشر ؛ بأن كونه ـ تعالى ـ موجدا للأشياء ، لا يتوقف على سبق مادة ، ولا مدة ، ولا آلة ؛ وهو تعالى إنما يكونها بقوله : «كن».
فقال : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وكما أنه قدر على ابتداء إيجاده ؛ وجب أن يكون قادرا على إعادته.
قوله : (وَأَقْسَمُوا) ظاهره أنه استئناف خبر ، وجعله الزمخشريّ نسقا على (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) إيذانا بأنهما كفرتان عظيمتان ، وقوله «بلى» إثبات لما بعد النفي. قوله «وعدا عليه حقّا» هذان المصدران منصوبان على المصدر المؤكد ، أي : وعد ذلك وعدا وحق حقّا.
وقيل : «حقّا» نعت ل «وعدا» والتقدير : بلى يبعثهم ، وعد بذلك وعدا حقّا.
وقرأ الضحاك (١) : «وعد عليه حقّ» برفعهما ؛ على أنّ «وعد» خبر مبتدأ مضمر ، أي : بلى يبعثهم وعد على الله ، و«حقّ» نعت ل «وعد».
__________________
(١) ينظر : البحر ٥ / ٤٧٦.