قال مكيّ (١) ـ رحمهالله ـ : والاختيار ترك الألف ؛ لأنّهم إنما عرضوا عليه : أن يعطوه عطيّة واحدة على بنائه ، لا أن يضرب ذلك عليهم كلّ عام ، وقيل : الخرج : ما كان على الرءوس ، والخراج : ما كان على الأرض ، قاله قطرب يقال : أدّ خرج رأسك ، وخراج أرضك ، قاله ابن الأعرابيّ ، وقيل : الخرج أخصّ ، والخراج أعمّ ، قاله ثعلب ، وقيل : الخرج مصدر ، والخراج : اسم لما يعطى ، ثم قد يطلق على المفعول المصدر ؛ كالخلق ؛ بمعنى المخلوق.
ثم قال : (عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) أي : حاجزا ، فلا يصلون إلينا.
قوله : (ما مَكَّنِّي) : «ما» بمعنى «الذي» وقرأ (٢) ابن كثير : «مكّنني» بإظهار النون ، والباقون بإدغامها في نون الوقاية ؛ للتخفيف.
وهي مرسومة في مصاحف غير مكّة بنون واحدة ، وفي مصاحف مكّة بنونين ، فكلّ وافق مصحفه.
ومعنى الكلام : ما قوّاني عليه ربّي خير من جعلكم ، أي : ما جعلني مكينا من المال الكثير ، خير ممّا تبذلون لي من الخراج ؛ فلا حاجة بي إليه ، كقول سليمان ـ عليهالسلام ـ : (فَمَا) آتان (اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ) [النمل : ٣٦].
قوله : (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) أي : لا أريد المال ، ولكن أعينوني بأيديكم ، وقوّتكم (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً).
والرّدم : هو السدّ ، يقال : ردمت الباب ، أي : سددتّه ، وردمت الثوب : رقعته ؛ لأنه يسدّ موضع الخرق بالرّقع ، والرّدم أكثر من السدّ ؛ من قولهم : ثوب مردم ، أي : وضعت عليه رقاع.
قالوا : وما تلك القوة (٣)؟. قال : فعلة وصنّاع يحسنون البناء والعمل ، والآلة.
قالوا : وما تلك الآلة؟.
قال : (آتُونِي) : قرأ أبو بكر (٤) «ايتوني» بهمزة وصل ؛ من أتى يأتي في الموضعين من هذه السورة ؛ بخلاف عنه في الثاني ، ووافقه حمزة على الثاني ، من غير خلاف عنه ، والباقون بهمزة القطع فيهما.
ف «زبر» على قراءة همزة الوصل منصوبة على إسقاط الخافض ، أي : جيئوني بزبر
__________________
(١) ينظر : المشكل ٢ / ٧٨.
(٢) ينظر : السبعة ٤٠٠ ، والنشر ٢ / ٣١٥ ، والحجة ٤٣٤ ، والتيسير ١٤٦ ، وإعراب القراءات ٢ / ٤١٩ ، والإتحاف ٢ / ٢٢٦ ، والحجة للقراء السبعة ٢ / ١٧٦.
(٣) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٨٢.
(٤) ينظر : النشر ٢ / ٣١٥ ، والإتحاف ٢ / ٢٢٦ ، والتيسير ١٤٦ ، وإعراب القراءات ١ / ٤٢١ ، والحجة ٤٣٤.