قوله «بالبيّنات» فيه ثمانية أوجه :
أحدها : أنه متعلق بمحذوف على أنه صفة ل «رجالا» فيتعلق بمحذوف ، أي رجالا ملتبسين بالبينات ، أي : مصاحبين لها وهو وجه حسن لا محذور فيه ، ذكره الزمخشريّ.
الثاني : أنه متعلق ب «أرسلنا» ذكره الحوفي ، والزمخشريّ ، وغيرهما ، وبه بدأ الزمخشريّ ، فقال : «يتعلق ب «أرسلنا» داخلا تحت حكم الاستثناء مع «رجالا» أي : وما أرسلنا إلا رجالا بالبينات ، كقولك : ما ضربت إلّا زيدا بالسّوط ؛ لأن أصله : ضربت زيدا بالسّوط».
وضعفه أبو البقاء : بأن ما قبل «إلّا» لا يعمل فيما بعدها ، إذا تم الكلام على «إلا» وما يليها ، قال : إلا أنه قد جاء في الشعر : [البسيط]
٣٣١٠ ـ نبّئتهم عذّبوا بالنّار جارتهم |
|
ولا يعذّب إلّا الله بالنّار (١) |
وقال أبو حيّان (٢) : «وما أجازه الحوفي ، والزمخشري ، لا يجيزه البصريون ؛ إذ لا يجيزون أن يقع بعد «إلّا» إلّا مستثنى ، أو مستثنى منه ، أو تابع لذلك ، وما ظن بخلافه قدر له عامل ، وأجاز الكسائي أن يليها معمول ما بعدها مرفوعا ، أو منصوبا أو مخفوضا ، نحو : ما ضرب إلا عمرا زيد ، وما ضرب إلّا زيد عمرا ، وما مرّ إلّا زيد بعمرو».
ووافقه ابن الأنباري في المرفوع ، والأخفش ، في الظرف ، وعديله ؛ فما قالاه يتمشّى على قول الكسائي ، والأخفش.
الثالث : أنه يتعلق ب «أرسلنا» أيضا ؛ إلّا أنه على نية التقديم قبل أداة الاستثناء تقديره: وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالا ؛ حتى لا يكون ما بعد «إلّا» معمولين متأخرين لفظا ورتبة داخلين تحت الحصر لما قبل «إلّا» ، حكاه ابن عطية.
وأنكر الفراء ذلك وقال : «إنّ صلة ما قبل «إلّا» لا يتأخر إلى ما بعد «إلا» لأن المستثنى منه هو مجموع ما قبل «إلّا» مع صلته ، فلما لم يصر هذا المجموع مذكورا بتمامه ؛ امتنع إدخال الاستثناء عليه».
الرابع : أنه متعلق ب «نوحي» كما تقول : أوحى إليه بحق. ذكره الزمخشري ، وأبو البقاء.
الخامس : أنّ الباء مزيدة في «بالبيّنات» وعلى هذا ؛ فيكون «البيّنات» هو القائم مقام الفاعل ؛ لأنها هي الموحاة.
__________________
(١) ينظر : أوضح المسالك ٢ / ١٣٠ ، تذكرة النحاة ص ٣٣٥ ، شرح التصريح ١ / ٢٨٤ ، المقاصد النحوية ٢ / ٤٩٢ ، التبيان ٢ / ٧٩٦ ، معاني الفراء ٢ / ١٠١ ، الألوسي ١٤ / ١٤٩ ، زادة ٣ / ١٧٩ ، التصريح ١ / ٢٨٤ ، العيني ٢ / ٤٩٢ ، الطبري ١٤ / ١١٠ ، البحر المحيط ٥ / ٤٨٩ ، الدر المصون ٤ / ٣٢٨.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٧٩.