كان عليه عند الضّراء ، أي : لا يفزع إلّا إلى الله ، وفريق منهم يتغيّرون فيشركون بالله ـ تعالى ـ غيره ؛ وهذا جهل وضلال ؛ لأنّه لما شهدت فطرته الأصليّة عند نزول البلاء ، والضرّ في ألّا يفزع إلا إلى الله ، ولا يستغاث إلا بالله ـ فعند زوال البلاء يجب ألّا يزول عن ذلك الاعتقاد ؛ ونظير هذه الآية قوله تعالى : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) [لقمان : ٣٢].
قوله : (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) في هذه اللام ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون لام كي ، وهي متعلقة ب «يشركون» ، أي : أن إشراكهم سببه كفرهم به.
الثاني : أنّها لام الصّيرورة ، أي : صار أمرهم إلى ذلك.
الثالث : أنّها لام الأمر ، وإليه نحا الزمخشريّ.
وقرأ (١) أبو العالية ، ورواها مكحول عن أبي رافع مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم «فيمتعوا» بضمّ الياء من تحت ، ساكن الميم ، مفتوح الياء مضارع «متع» مبنيّا للمفعول ، «فسوف يعلمون» بالياء من تحت أيضا ، وهذا المضارع في هذه القراءة ، يجوز أن يكون حذف منه النون فيه ؛ إما للنصب ، عطفا على «ليكفروا» وإن كانت لام «كي» ، أو للصيرورة ، وإما للنصب أيضا ، ولكن على جواب الأمر إن كانت اللام للأمر ، ويجوز أن يكون حذفها للجزم ؛ عطفا على «ليكفروا» وإن كانت للأمر أيضا.
فصل
قال بعض المفسرين : هذه لام العاقبة ؛ كقوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] يعني : أنّ عاقبته تلك التضرعات ، ما كانت إلا هذا الكفر.
والمراد بقوله : (بِما آتَيْناهُمْ) كشف الضرّ ، وإزالة المكروه ، وقيل : المراد به القرآن ، وما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم من النبوة والشرائع.
ثمّ توعّدهم فقال : «فتمتّعوا» ، [والمراد منه التهديد](٢) ؛ كقوله (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩] وقوله : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) أمركم ، وما ينزل بكم من العذاب.
قوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (٥٧) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٥٩) لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ
__________________
(١) ينظر : المحتسب ٢ / ١١ ، والشواذ ٧٣ ، والبحر ٥ / ٤٨٧.
(٢) في أ: وهو تهديد.