وأجيب بوجهين :
أحدهما : أنّا لا نسلم أن قوله : (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) يتناول جميع الدّوابّ.
قال الجبائي ـ رحمهالله ـ : إن المراد لو يؤاخذهم الله بما كسبوا من كفر ، ومعصية لعجّل هلاكهم ، وحينئذ لا يبقى لهم نسل ، ومن المعلوم أنه لا أحد إلّا وفي أحد آبائه من يستحق العذاب ، وإذا هلكوا ؛ فقد بطل نسلهم ، فكان يلزمه أن لا يبقى في العالم أحد من النّاس ، وإذا [هلكوا](١) ، وجب ألا يبقى أحد من الدّواب أيضا ، لأن الدّواب مخلوقة لمنافع العباد ، وهذا وجه حسن.
الثاني : أنّ الهلاك إذا ورد على الظّلمة ، ورد أيضا على سائر النّاس والدّواب ، فكان ذلك الهلاك في حق الظلمة عذابا ، وفي حق [غيرهم امتحانا](٢) ، وقد وقعت هذه الواقعة في زمن نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
الثالث : أنه تعالى لو أخذهم لا نقطع القطر ، وفي انقطاعه انقطاع النّبت ، فكان لا يبقى على ظهرها دابّة.
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ سمع رجلا يقول : إنّ الظّالم لا يضرّ إلّا نفسه فقال : «لا والله ، بل إنّ الحبارى لتموت في وكرها بظلم الظالم» (٣).
وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه : كاد الجعل يهلك في جحره بذنب ابن آدم ؛ فهذه الوجوه الثّلاثة مبنية على أنّ لفظ الدابة يتناول جميع الدّواب (٤).
والجواب الثاني : أنّ المراد بالدّابة الكافر ، قوله تعالى : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) سبيلا [الأعراف : ١٧٩] ، والكناية في قوله : «عليها» عائدة إلى الأرض ، ولم يسبق لها ذكر ، إلّا أن ذكر الدابة يدل على الأرض ، فإن الدابة إنّما تدبّ على الأرض.
قوله : (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) كي يتوالدوا.
قال عطاء عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ : يريد أجل يوم القيامة.
وقيل : منتهى العمر : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف : ٣٤].
قوله : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) ، أي : البنات التي يكرهونها لأنفسهم ومعنى :
__________________
(١) في ب : بطلوا.
(٢) في ب : غير الظلمة مجازا.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٦٠١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٢٨) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن أبي الدنيا والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٦٠١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٢٧) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في «شعب الإيمان».