ولمّا رجع الأمراء لم يكن للسّبائيّة (١) سبيل إلى الخروج من الأمصار ، فكاتبوا أشياعهم أن يتوافوا بالمدينة لينظروا فيما يريدون ، وأظهروا أنّهم يأمرون بالمعروف ، وأنّهم يسألون عثمان عن أشياء لتطير في النّاس ولتحقّق عليه ، فتوافوا بالمدينة ، فأرسل عثمان رجلين من بني مخزوم ومن بني زهرة فقال : انظرا ما يريدون ، وكانا ممّن ناله من عثمان أدب ، فاصطبرا للحقّ ولم يضطغنا ، فلمّا رأوهما أتوهما (٢) وأخبروهما ، فقالا : من معكم على هذا من أهل المدينة؟ قالوا : ثلاثة ، قالا : فكيف تصنعون؟ قالوا : نريد أن نذكر له أشياء قد زرعناها في قلوب النّاس ، ثمّ نرجع إليهم ونزعم لهم أنّا قرّرناه بها ، فلم يخرج منها ولم يتب ، ثمّ نخرج كأنّنا حجّاج حتّى نقدم فنحيط به فنخلعه ، فإن أبي قتلناه.
فرجعا إلى عثمان بالخبر ، فضحك وقال : اللهمّ سلّم هؤلاء فإنّك إن لم تسلّمهم شقّوا (٣). فأمّا عمّار فحمل علي عبّاس بن أبي لهب (٤) وعركه (٥) ، وأمّا محمد بن أبي بكر فإنّه أعجب حتّى رأى أنّ الحقوق لا تلزمه ، وأما ابن سارة (٦) فإنّه يتعرّض للبلاء (٧).
وأرسل إلى المصريّين (٨) والكوفيّين ، ونادى : الصلاة جامعة ـ وهم عنده في أصل المنبر ـ فأقبل أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فحمد الله وأثنى عليه ، وأخبرهم بالأمر ، وقام الرجلان ، فقال النّاس : اقتل هؤلاء فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) في تاريخ دمشق (السبئية» ، وفي تاج العروس «السبائية» ، وكلاهما صحيح.
(٢) في تاريخ دمشق «باثّوهما».
(٣) أي «شقّوا العصا» كما في «التمهيد» ـ ص ٩٦.
(٤) في تاريخ الطبري «عباس بن عتبة بن أبي لهب» ، وفي تاريخ دمشق : «عليّ ذنب ابن أبي لهب».
(٥) في تاريخ دمشق «عركه بي» ، يريد أنّه حمّله ذنبه وتركه.
(٦) هكذا في الأصول ، ومنتقى الأحمدية ، وتاريخ دمشق. وفي تاريخ الطبري «ابن سهلة».
(٧) تاريخ الطبري ٤ / ٣٤٥ ، ٣٤٦ ، تاريخ دمشق (ترجمة عثمان) ٣٠٩ ، ٣١٠.
(٨) هكذا في الأصول وتاريخ دمشق ، وفي تاريخ الطبري «البصريّين».