معنى الآية ، واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن ـ نظير احتجاج إخوانكم على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما!! فلم توفقوا أنتم لا إخوانكم لفهم معنى الآية ، وإنما وفق لذلك أئمة الاسلام. فمن كلامهم : أن المراد «كل شيء» مما كتب [الله] عليه الفناء والهلاك «هالك» ، والجنة والنار خلقنا للبقاء لا للفناء ، وكذلك العرش ، فإنه سقف الجنة. وقيل : المراد إلا ملكه. وقيل : إلا ما أريد به وجهه. وقيل : إن الله تعالى أنزل : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) الرحمن : ٢٦ ، فقالت الملائكة : هلك أهل الأرض ، وطمعوا في البقاء ، فأخبر تعالى عن أهل السماء والأرض أنهم يموتون ، فقال : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) القصص : ٨٨ ، لأنه حي لا يموت ، فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت. وإنما قالوا ذلك توفيقا بينها وبين النصوص المحكمة ، الدالة على بقاء الجنة ، وعلى بقاء النار أيضا ، على ما يذكر عن قريب ، إن شاء الله تعالى.
وقوله : لا تفنيان أبدا ولا تبيدان ـ هذا قول جمهور الأئمة من السلف والخلف. وقال ببقاء الجنة وبفناء النار جماعة من السلف والخلف (٥٩١) ، والقولان مذكوران في كثير من كتب التفسير وغيرها. وقال بفناء الجنة والنار الجهم بن صفوان إمام المعطلة ، وليس له سلف قط (٥٩٢) ، لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان ، ولا من أئمة المسلمين ، ولا من أهل السنة. وأنكره عليه عامة أهل السنة ، وكفّروه به ، وصاحوا به وبأتباعه من أقطار الأرض. وهذا قاله لأصله الفاسد الذي اعتقده ، وهو امتناع وجود [ما] لا يتناهى من الحوادث! وهو عمدة أهل الكلام
__________________
(٥٩١) قلت : لم يثبت القول بفناء النار عن أحد من السلف ، وإنما هي آثار واهية لا تقوم بها حجة ، وبعض أحاديثه موضوعة ، لو صحت لم تدل على الفناء المزعوم ، وإنما على بقاء النار ، وخروج الموحدين منها ، وقد كنت خرجت بعض ذلك في «الضعيفة» برقم (٦٠٦ و ٧٠٧). ثم وقفت على رسالة مخطوطة في مكتبة المكتب الاسلامي للعلامة الأمير الصنعاني في هذه المسألة الخطيرة ردّ فيها على ابن القيم رحمهالله ، فعلقت عليها وخرجت أحاديثها وقدمت لها بمقدمة ضافية ، وقد طبعت بعناية المكتب الاسلامي.
(٥٩٢) يعني قوله بفناء الجنة ، ونحن نزيد على المؤلف فنقول : وليس له سلفا أيضا في قوله بفناء النار ، كما سبقت الإشارة الى ذلك آنفا.