[في] الممكن المقدور ظلم! بل كان ما كان ممكنا فهو منه ـ لو فعله ـ عدل ، إذ الظلم لا يكون إلا من مأمور من غيره منهي ، والله ليس كذلك. فإن قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) ، طه : ١١٢ ، وقوله تعالى : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ق : ٢٩ ، وقوله تعالى :(وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) الزخرف : ٧٦ ، وقوله عالى : (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) الكهف : ٤٩ ، وقوله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ، لا ظُلْمَ الْيَوْمَ ، إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) غافر : ١٧. يدل على نقيض هذا القول.
ومنه قوله الذي رواه عنه رسوله : «يا عبادي ، إني حرّمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا» (٦٢٧). فهذا دل على شيئين : أحدهما : أنه حرم على نفسه الظلم ، والممتنع لا يوصف بذلك. الثاني : أنه أخبر أنه حرّمه على نفسه ، كما أخبر أنه كتب على نفسه الرحمة ، وهذا يبطل احتجاجهم بأن الظلم لا يكون إلا من مأمور منهي ، والله ليس كذلك. فيقال لهم : هو سبحانه كتب على نفسه الرحمة ، وحرّم على نفسه الظلم ، وإنما كتب على نفسه وحرّم على نفسه ما هو قادر عليه ، لا ما هو ممتنع عليه.
وأيضا : فإن قوله : (فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) طه : ١١٢ ـ قد فسره السلف ، بأن الظلم : أن توضع عليه سيئات غيره ، والهضم : أن ينقص من حسناته ، كما قال تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) الاسراء : ١٥.
وأيضا فإن الإنسان لا يخاف الممتنع الذي لا يدخل تحت القدرة حتى يأمن من ذلك ، وإنما يأمن مما يمكن ، فلما آمنه من الظلم بقوله : (فَلا يَخافُ) طه : ١١٢ ـ علم أنه ممكن مقدور عليه. وكذا قوله : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ) ق : ٢٨ ، الى قوله : (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ق : ٢٩ ـ لم يعن بها نفي ما لا يقدر عليه ولا يمكن منه ، وإنما نفى ما هو مقدور عليه ممكن ، وهو أن يجزوا بغير أعمالهم. فعلى قول هؤلاء ليس الله منزها عن شيء من الأفعال أصلا ، ولا مقدسا عن أن يفعله ،
__________________
(٦٢٧) مسلم وتقدم الحديث (برقم ٥٦) ، «مختصر صحيح مسلم» (١٨٢٨).