البخاري ومسلم في «صحيحيهما» دون علة قادحة فيه ، وقد سبق ذكر بعض ما ضعفه منها ، وعلى العكس من ذلك فهو يصحح انتصارا لعصبيته المذهبية ما يشهد كل عارف بهذا العلم أنه ضعيف بل موضوع ، مثل حديث «أبو حنيفة سراج أمتي»! إلى غير ذلك من الأمور التي لا مجال لسردها ، وبسط القول فيها الآن. وقد رد عليه وفصّل القول فيها بطريقة علمية سامية ، وبحث منطقي نزيه ، العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني في كتابه «طليعة التنكيل» ثم في كتابه الفذ العظيم «التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل» ، فليراجعهما من شاء الوقوف على حقيقة ما ذكرنا ، فإنه سيجد الأمر فوق ما وصفنا. والله المستعان.
هذا شيء من حال الكوثري ، وأبو غدة ـ دون شك ـ على علم بها ، لأنه إن كان لم يتعرف عليها بنفسه من بطون كتب الكوثري التي هو شغوف بمطالعتها ـ وهذا أبعد ما يكون عنه ـ فقد اطلع عليها بواسطة رد العلامة اليماني عليها رد علميا نزيها كما سبق.
وإن تعليقات أبي غدة الكثيرة على الكتب التي يقوم بطبعها ، والنقول التي يودعها فيها من كلام الكوثري ، كل هذا وذاك ليدل دلالة واضحة على أنه معجب به أشد الاعجاب ، وأنه كوثري المشرب. وكيف لا وهو يضفي عليه الألقاب الضخمة ، التي لا يطلقها عليه غيره ، فيقول : «العلامة المحقق الامام» (ص ٦٨) من التعليق على «الرفع والتكميل». بل يقول قبيل مقدمته عليه : «الاهداء ـ إلى روح أستاذ المحققين الحجة المحدث الفقيه الأصولي المتكلم النظار المؤرخ النقاد الامام»!! «وقد بلغ من شدة تعلقه به أن نسب نفسه إليه فهو الشيخ عبد الفتاح أبو غدة الحنفي الكوثري» (١) ، وأن سمى ابنه الكبير باسم : زاهد ، تبركا به وإحياء لذكره! فهو إذن راض عنه وعن أفكاره وآرائه مائة في المائة! فهو مشترك معه في تحمل مسئولياتها. ويؤكده أنه لم يبد أي نقد أو اعتراض في شيء منها في أي تعليق من تعليقاته الكثيرة ، بل هو متأثر به إلى أبعد حد ، فإنك تراه بينما هو يضفي عليه ما سبق من الألقاب الضخمة ، يضنّ على شيخ الاسلام ابن تيمية
__________________
(١) ص ٧٢ من «مقالات الكوثري»
.