وقال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) النحل : ٤٣ ، ٤٤. [وقال تعالى : (قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) آل عمران : ١٨٣.] وقال تعالى : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) آل عمران : ١٨٤. وقال تعالى : (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ) الشورى : ١٧. حتى ان من أخفى آيات الرسل آيات هود ، حتى قال له قومه : يا هود ما جئتنا ببينة ، ومع هذا فبينته من أوضح البينات لمن وفّقه الله لتدبرها ، وقد أشار إليه بقوله : (إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) هود : ٥٤ ـ ٥٦. فهذا من أعظم الآيات : أن رجلا واحدا يخاطب أمة عظيمة بهذا الخطاب ، غير جزع ولا فزع ولا خوّار ، بل هو واثق بما قاله ، جازم به ، فأشهد الله أولا على براءته من دينهم وما هم عليه ، اشهاد واثق به معتمد عليه ، معلم لقومه أنه وليه وناصره وغير مسلّط لهم عليه. ثم أشهدهم اشهاد مجاهر لهم بالمخالفة أنه بريء من دينهم وآلهتهم التي يوالون عليها ويعادون عليها ويبذلون دماءهم وأموالهم في نصرتهم لها ، ثم أكد ذلك عليهم بالاستهانة لهم واحتقارهم وازدرائهم. ولو يجتمعون كلهم على كيده وشفاء غيظهم منه ، ثم يعاجلونه ولا يمهلونه [لم يقدروا على ذلك الا ما كتبه الله عليه]. ثم قرر دعوتهم أحسن تقرير ، وبين أن ربه تعالى وربهم الذي نواصيهم بيده هو وليه ووكيله القائم بنصره وتأييده ، وأنه على صراط مستقيم ، فلا يخذل من توكل عليه وأقر به ، ولا يشمت به أعداءه.
فأي آية وبرهان أحسن من آيات الأنبياء عليهمالسلام وبراهينهم وأدلتهم؟ وهي شهادة من الله سبحانه لهم بينها لعباده غاية البيان.
ومن أسمائه تعالى «المؤمن» وهو في أحد التفسيرين : المصدق الذي يصدق الصادقين مما يقيم لهم من شواهد صدقهم ، فإنه لا بد أن يري العباد من الآيات الافقية والنفسية ما يبين لهم أن الوحي الذي بلّغه رسله حق [قال] تعالى :