الكاذب ، فهو يدعو إلى الاعتقاد بأن هذه المعجزات صدرت على يد نبيّ صادق في نبوّته ، فلا تكونوا ممّن استحوذ عليهم الشيطان ، وعلم بالحقّ وأنكره ، كما قال تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) [سورة النمل ، الآية : ١٤].
قوله تعالى : (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ).
الجملة حالية ، وهي معطوفة على قوله تعالى : (بِآيَةٍ) ، أي : جئتكم حال كوني مصدّقا.
والمراد بقوله : (لِما بَيْنَ يَدَيَ) ، أي ما تقدّمني من التوراة ، واللام فيها للعهد ، أي التوراة المعهودة بين الأنبياء ، لا التوراة الموجودة في زمانه.
وتصديقه للتوراة هو الإيمان بأن التوراة كتاب إلهي ، وإنّ ما فيها حكمة وصواب ، وهي التي نزلت على موسى بن عمران ، ونظير ذلك ما ورد بالنسبة إلى نبيّنا محمد صلىاللهعليهوآله ، فلا دلالة لتصديقهما لما بين يديهما من التوراة على أنها غير محرّفة.
والآية الشريفة تدلّ على أنه لم يأت ناسخا لها ، بل مصدّقا وعاملا بالتوراة إلا في بعض الأحكام.
قوله تعالى : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ).
أي : وجئتكم لأحل بعض ما حرّمته شريعة موسى بن عمران على بني إسرائيل ، فإنها حرّمت عليهم بعض الطيبات بظلمهم وكثرة سؤالهم ، قال تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً* وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) [سورة النساء ، الآية : ١٦٠ ـ ١٦١] ، كما أنه نسخ بعض الأحكام التي تغيّرت حسب تغيّر المقتضيات وتبدّلها.
والآية الشريفة تدلّ على أن الإنجيل يشتمل على بعض الأحكام الإثباتيّة ، ولكن لا دلالة فيها على أنه يشتمل على شريعة ، وإن وقع الخلاف بين العلماء في أن الإنجيل يشتمل على شريعة وأحكام تغيّر ما في التوراة ، وقد نسخ الإنجيل بعض ما في التوراة ، ولكن لا يقدح ذلك في كونه مصدّقا للتوراة ، وقال بعضهم : إن الإنجيل لم يشتمل على أحكام ولم يمح حلالا ولا حراما ، بل هو رموز وأمثال ،