النعمة بأن يشبه الله بخلقه ، أو يجور في حكمه ، أو يرد على نبي من أنبيائه. فإن الله سبحانه قد أنعم على خلقه في جميع ذلك ، بأن أقام الحجج الواضحة ، والبراهين الساطعة على صحته ، وعرض بالنظر فيها للثواب الجزيل (أَلَمْ يَأْتِكُمْ). قيل : إن هذا الخطاب متوجه إلى أمّة نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فذكرت بأخبار من تقدمها من الأمم. وقيل : إنه من قول موسى عليهالسلام لأنه متصل به في الآية المتقدمة ، والمعنى : ألم يجئكم (نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي : أخبار من تقدمكم.
(قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) ، أي : لا يعلم تفاصيل أحوالهم وعددهم وما فعلوه وفعل بهم من العقوبات ، إلّا الله ، قال ابن الأنباري : إن الله تعالى أهلك أمما من العرب وغيرها ، فانقطعت أخبارهم ، وعفت آثارهم ، فليس يعرفهم أحد إلا الله : وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال : كذب النسابون. وقيل : إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان لا يجاوز في انتسابه معد بن عدنان. فعلى هذا يكون قوله : (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) مبتدأ وخبرا. (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي : بالأدلة والحجج والأحكام ، والحلال والحرام. (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) اختلفوا في معناه على أقوال :
١ ـ إن معناه عضوا على أصابعهم من شدة الغيظ ، لأنه ثقل عليهم مكان الرسل ...
٢ ـ إن معناه جعلوا أيديهم في أفواه الأنبياء تكذيبا لهم ، وردا لما جاءوا به ، فالضمير في أيديهم للكفار ، وفي أفواههم للأنبياء ، فكأنهم لما سمعوا وعظ الأنبياء وكلامهم ، أشاروا بأيديهم إلى أفواه الرسل تسكيتا لهم ...
٣ ـ إن معناه وضعوا أيديهم على أفواههم مومين بذلك إلى الرسل أن اسكتوا عما تدعوننا إليه ، كما يفعل الواحد منا مع غيره إذا أراد تسكيته ...