* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) (٤٠) [سورة طه : ٤٠ ـ ٣٧]؟!
الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمهالله تعالى) : لما أخبر الله تعالى موسى بأنه قد أتاه ما طلبه وأعطاه سؤله ، عدد ما تقدم ذلك من نعمه عليه ومننه لديه. فقال (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى) والمن نعمة يقطع صاحبها بها عن غيره باختصاصها به. يقال : من عليه يمن منا إذا أنعم عليه نعمة يقطعه إياها ، وأصله القطع ، ومنه قوله (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)(١) أي غير مقطوع. وحبل متين : أي منقطع. والمرة الكرة الواحدة من المر ، وذلك أن نعمة الله (عزوجل) عليه مستمرة ، فذكره الإجابة مرة وقبلها مرة أخرى. وقوله (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى) أي كانت هذه النعمة عليك حين أوحينا إلى أمك ما يوحى. قال قوم : أراد أنه ألهمها ذلك. وقال الجبائي : رأيت في المنام أن أقذفيه في التابوت ، ثم اقذفيه في اليم ، والقذف هو الطرح ، واليم البحر قال الراجز :
كنازح أليم سقاه اليم ، وقيل : المراد به ههنا النيل. وقوله (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ) جزاء وخبر أخرج مخرج الأمر ومثله (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) والتقدير فاطرحيه في اليم فليلقه اليم بالساحل.
وقوله (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) يعني فرعون. وكان عدو الله بكفره
__________________
(١) حم السجدة (فصلت) : ٨ ، الانشقاق : ٢٥.