في ذلك اليوم عند تمليخا فاتخذ لهم من أطيب الطعام وأعذب الشراب فطعموا وشربوا ، ثم قال : يا إخوتاه ، قد وقع في نفسي شيء قد منعني الطعام والشراب والمنام قالوا : وما ذلك يا تمليخا ، فقال تمليخا : لقد أطلت فكري في هذه السماء فقلت : من رفع سقفها محفوظة بلا علاقة من فوقها ولا دعامة من تحتها ، ومن أجرى فيها شمسا وقمرا نيّرين مضيئين ، ومن زيّنها بالنجوم؟ ثم أطلت فكري في هذه الأرض ، فقلت : من سطحها على صميم الماء الزاخر ، ومن حبسها بالجبال أن تميد على كل شيء؟ وأطلت فكري في نفسي ، فقلت : من أخرجني جنينا من بطن أمي ، ومن غذاني ، ومن ربّاني في بطنها؟ إن لهذا صانعا ومدبرا غير دقيوس الملك ، وما هذا إلا ملك الملوك وجبّار السماوات».
قال : «فانكبّ الفتية على رجليه فقبّلوها ، ويقولون : قد هدانا الله من الضلالة بك إلى الهدى فأشر علينا ـ قال ـ فوثب تمليخا فباع تمرا من حائط له ثلاثة آلاف درهم ، وصرّها في كمّه ، وركبوا على خيولهم وخرجوا من المدينة ، فلما ساروا ثلاثة أميال ، قال تمليخا : يا إخوتاه جاء ملك الآخرة وذهب ملك الدنيا وزال أمرها ، انزلوا عن خيولكم وامشوا على أرجلكم لعل الله يجعل لكم من أمركم فرجا مخرجا ، فنزلوا عن خيولهم فمشوا سبع فراسخ في ذلك اليوم فجعلت أرجلهم تقطر دما».
قال : «فاستقبلهم راع ، فقالوا ، أيها الراعي ، هل من شربة لبن؟ هل من شربة ماء؟ فقال الراعي عندي ما تحبّون ، ولكن أرى وجوهكم وجوه الملوك ، وما أظنكم إلّا هرّابا من دقيوس الملك؟ قالوا : أيها الراعي ، لا يحلّ لنا الكذب ، فينجينا منك الصدق؟ قال : نعم ، فأخبروه بقصّتهم ، فانكب على أقدامهم يقبّلها ، وقال : يا قوم ، لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوبكم ، ولكن أمهلوني حتى أردّ الأغنام إلى أربابها وألحق بكم ، فوقفوا له فردّ الأغنام وأقبل