وفي رواية أخرى قال ميسّر : كنا في الفسطاط عند أبي جعفر عليهالسلام نحوا من خمسين رجلا : فجلس بعد سكوت كان منّا طويلا فقال : «ما لكم لا تنطقون ، لعلّكم ترون أنّي نبيّ؟ لا والله ما أنا كذلك ، ولكن فيّ قرابة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قريبة ، وولادة ، من وصلها وصله الله ، ومن أحبّها أحبّه الله ، ومن أكرمها أكرمه الله ، أتدرون أيّ البقاع أفضل عند الله منزلة؟». فلم يتكلم أحد ، فكان هو الرادّ على نفسه ، فقال : «تلك مكّة الحرام ، التي رضيها لنفسه حرما ، وجعل بيته فيها».
ثمّ قال : «أتدرون أي البقاع أفضل من مكّة؟» فلم يتكلّم أحد ، فكان هو الرادّ على نفسه ، فقال : «ما بين الحجر الأسود إلى باب الكعبة ، ذلك حطيم إبراهيم عليهالسلام نفسه الذي كان يذود فيه غنمه ويصلّي فيه ، فو الله لو أنّ عبدا صفّ قدميه في ذلك المكان ، قام النهار مصلّيا حتى يجنّه الليل ، وقام الليل مصلّيا حتى يجنّه النهار ، ثم لم يعرف لنا حقّا أهل البيت وحرمنا حقّنا ، لم يقبل الله منه شيئا أبدا.
إن أبانا إبراهيم (صلوات الله عليه) كان فيما اشترط على ربّه أن قال : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) أما إنّه لم يقل : الناس كلّهم ، أنتم أولئك رحمكم الله ونظراؤكم ، فإنّما مثلكم في الناس مثل الشعرة البيضاء في الثّور الأسود ، أو الشّعرة السّوداء في الثّور الأبيض ، وينبغي للناس أن يحجّوا هذا البيت ، وأن يعظّموه لتعظيم الله إيّاه ، وأن يلقونا أينما كنّا ، نحن الأدلّاء على الله» (١).
وفي خبر آخر : «أتدرون أيّ بقعة أعظم حرمة عند الله؟» فلم يتكلم أحد ، وكان هو الرادّ على نفسه ، فقال : «ذلك ما بين الرّكن الأسود والمقام ،
__________________
(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٣٣ ، ح ٤١.