«كان بين الأوس والخزرج حرب قد بغوا فيها دهورا طويلة ، وكانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار ، وكان آخر حرب بينهم يوم بغاث وكانت للأوس على الخزرج ، فخرج أسعد بن زرارة وذكوان إلى مكّة في عمرة رجب يسألون الحلف على الأوس ، وكان أسعد بن زرارة صديقا لعتبة بن ربيعة ، فنزل عليه فقال له : إنّه كان بيننا وبين قومنا حرب وقد جئناكم نطلب الحلف عليهم.
فقال عتبة : بعدت دارنا عن داركم ولنا شغل لا نتفرّغ معه لشيء!
قال : وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم؟
قال عتبة : خرج فينا رجل يدّعي أنّه رسول الله ، سفّه أحلامنا وسبّ آلهتنا وأفسد شبابنا وفرّق جماعتنا.
فقال له أسعد : من هو منكم؟
قال : ابن عبد الله بن عبد المطّلب من أوسطنا شرفا وأعظمنا بيتا.
وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم ـ النظير وقريظة وقينقاع ـ : إنّ هذا أوان نبيّ يخرج بمكّة يكون مهاجره بالمدينة ، لنقتلنّكم به يا معشر العرب.
فلمّا سمع أسعد ما سمع من عتبة وقع في قلبه ما كان سمعه من اليهود ، وقال : فأين هو؟
وكان هذا في وقت محاصرة بني هاشم في الشعب فقال عتبة : إنّهم لا يخرجون من شعبهم إلّا في الموسم ، وها هو جالس في الحجر ، فلا تسمع منه ولا تكلّمه فإنّه ساحر يسحرك بكلامه.
فقال أسعد : فكيف أصنع وأنا معتمر لا بدّ لي أن أطوف بالبيت؟
فقال : ضع في اذنيك القطن. فحشا أسعد في اذنيه القطن ودخل المسجد ورسول الله جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم ، فطاف أسعد بالبيت ونظر إلى