إنّ كفاح رسول الله صلىاللهعليهوآله ضد الخرافات وعلى رأسها عبادة الأصنام والأوثان واتّخاذ بعض المخلوقات أربابا لم يكن دأبه في رسالته فحسب بل إنّه كان يكافح الأوهام والخرافات حتّى في دور طفولته وصباه. فقد روى المحدث المجلسيّ في موسوعته «بحار الأنوار» عن كتاب «المنتقى في أحوال المصطفى» للكازروني من العامّة ، بسنده عن ابن عباس عن حليمة السعدية أنّها قالت «فلمّا تمّ له ثلاث سنين قال لي يوما : يا امّاه! مالي لا أرى أخويّ بالنهار؟ قلت له : يا بنيّ انّهما يرعيان غنيمات ، قال : فمالي لا أخرج معهما؟ قلت له : تحبّ ذلك؟ قال : نعم. فلما أصبح دهّنته وكحّلته وعلّقت في عنقه خيطا فيه جزع يمانية فنزعها ثم قال لي : مهلا يا امّاه! فإنّ معي من يحفظني» (١).
إنّ عقائد جميع امم العالم كانت حين طلوع فجر الإسلام خليطا بأنواع من الخرافات والأساطير ، فالأساطير الساسانية واليونانية كانت تسود على أفكار امم كانت تعدّ من أرقى أمم العالم يومذاك. وحتى اليوم يوجد بين امم العالم خرافات كثيرة لا تستطيع الحضارة الحاضرة أن تنفيها من حياة الناس.
وقد سجّل التأريخ خرافات وأساطير كثيرة للناس في شبه جزيرة العرب ، جمع كثيرا منها السيد محمود الآلوسي في كتاب أسماه «بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب» مع ذكر شواهد لها من الشعر الجاهلي وغيره ، بمراجعة هذا الكتاب ومثله يواجه المرء شيئا كثيرا من الخرافات قد ملأت عقول العرب الجاهليين ، وكانت هذه الأساطير احدى عوامل التخلف فيهم عن سائر امم العالم آنذاك ، وكانت كذلك أكبر سدّ أمام تقدّم الإسلام فيهم أيضا ، ولهذا كان النبي صلىاللهعليهوآله يسعى جاهدا أن يحبط تلك الأساطير والأوهام من آثار الجاهلية ، فحينما أرسل «معاذ بن
__________________
(١) بحار الانوار ١٥ : ٣٩٢.